يعد قصر البديع في مدينة مراكش المغربية من أبرز المعالم التاريخية التي تجسد عظمة العمارة المغربية في العصور الماضية، إذ يعود تاريخ بنائه إلى عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي عام 1578 ميلادية، حين أمر بتشييده ليكون تحفة معمارية تعكس قوة الدولة السعدية ومكانتها الإقليمية، فاستعان بأمهر الصناع من المغرب والأندلس وحتى إيطاليا، ليخرج القصر تحفة فنية فريدة جمعت بين الزخارف المغربية والتأثيرات الأوروبية.
القصر كان يلقب حينها بـ”قصر الأعجوبة” نظراً لفخامته وروعة تصميمه، فقد ضم قاعات فسيحة وحدائق واسعة وأروقة مزخرفة بالذهب والرخام المستورد من إيطاليا وإسبانيا، إضافة إلى أخشاب الأرز والفسيفساء التي شكلت لوحات معمارية نادرة، وكان يشكل مركزاً للاحتفالات الرسمية واستقبال الوفود الأجنبية، مما جعله رمزاً للقوة والهيبة في زمن السعديين.
مع مرور الوقت تعرض القصر لعمليات هدم وتفكيك خلال عهد السلطان المولى إسماعيل في القرن السابع عشر، حيث نُقلت مواده الثمينة لاستخدامها في بناء عاصمته الجديدة مكناس، ليبقى القصر اليوم في صورة أطلال شاهدة على ماضٍ ذهبي، غير أن ما تبقى من جدرانه وبقاياه العمرانية ما زال يعكس حجم الفخامة التي كان عليها في أوج ازدهاره.
في عام 1985 أدرجت منظمة اليونسكو قصر البديع ضمن قائمة التراث العالمي كجزء من مدينة مراكش التاريخية، وهو ما يؤكد مكانته كأحد أهم الشواهد على العمارة المغربية والإسلامية، ويجعله معلماً سياحياً بارزاً يستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، حيث يقفون أمام بقاياه متأملين تاريخاً غنياً يروي فصولاً من حضارة المغرب.
اليوم يشكل القصر موقعاً مفتوحاً للزوار، وتقام في ساحاته أنشطة ثقافية ومهرجانات سنوية أبرزها “مهرجان الفنون الشعبية” الذي يعقد في قلبه، مما يمنحه دوراً جديداً يتجاوز التاريخ ليكون فضاءً حياً يربط بين الماضي والحاضر، ويعزز من مكانة مراكش كوجهة ثقافية وسياحية رائدة.
السلطات المغربية تعمل على صيانة ما تبقى من معالم القصر، مع إطلاق مبادرات للحفاظ على أجزائه المتبقية وإعادة تأهيل بعض أركانه لاستيعاب الفعاليات الثقافية والفنية، كما يشكل الموقع جزءاً من مسارات السياحة التاريخية التي تعرف الزوار على تراث مراكش الغني والمتنوع.
قصر البديع يظل شاهداً على حقبة مهمة من تاريخ المغرب، ورمزاً لفخامة العمارة السعدية التي جمعت بين القوة السياسية والإبداع الفني، كما يرسخ مكانة مراكش كمدينة احتضنت عبر قرون معالم كبرى أصبحت جزءاً من التراث الإنساني المشترك.
المصدر: اليونسكو