الأربعاء 1447/03/25هـ (17-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » الآثار » قصبة هنين.. حصن تاريخي يروي قصص الموحدين في تلمسان

قصبة هنين.. حصن تاريخي يروي قصص الموحدين في تلمسان

تقف قصبة هنين شامخة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط في ولاية تلمسان، لتعكس عبق التاريخ وتروي قصص حضارات متعاقبة، فقد ظلت على مدى قرون شاهدة على صراعات وملاحم صنعت هوية المنطقة، وجعلت منها مركزاً ثقافياً وحضارياً فريداً يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.

بُنيت القلعة في القرن الثاني عشر الميلادي على يد عبد المؤمن بن علي، مؤسس دولة الموحدين، فوق أنقاض رومانية قديمة، وهو ما جعلها تجمع بين طبقات تاريخية متعددة، إذ شكلت آنذاك حصناً دفاعياً متيناً، وساهمت في حماية المنطقة من الغزوات البحرية، كما دعمت التجارة عبر البحر المتوسط، لتصبح جزءاً من شبكة العلاقات الاقتصادية والسياسية التي ربطت شمال أفريقيا بجنوب أوروبا.

عكست الأسوار القوية والهندسة المحكمة للقصبة براعة المعماريين في العهد الموحدي، حيث صُممت لتحمل الحصارات الطويلة وتوفير الحماية لسكانها، وما تزال بقايا هذه الجدران ماثلة إلى اليوم، لتشهد على عزيمة بناتها وصلابة أهل تلمسان في مواجهة تقلبات الزمن، وهو ما جعلها من أبرز الرموز التاريخية في الجزائر.

أدرجت منظمة اليونسكو قصبة هنين ضمن قائمتها الإرشادية، باعتبارها جزءاً من منطقة ندرومة وجبال ترارا الغنية بالتنوع الطبيعي والثقافي، حيث يجتمع الإرث التاريخي العريق مع المشاهد الطبيعية البديعة، فالقصبة لا تحتضن آثار الموحدين فحسب، بل تعكس أيضاً آثاراً رومانية قديمة تركت بصمتها على الموقع، لتجعل منه وجهة مثالية لعشاق التاريخ والباحثين عن الأصالة.

تزيد جبال ترارا المحيطة بالموقع من جمال المشهد، إذ توفر مناظر خلابة تطل على البحر والسهول، وتمنح الزائر تجربة فريدة تجمع بين الاستمتاع بالطبيعة الساحرة والتأمل في معالم الماضي، وهذا التداخل بين الجغرافيا والتاريخ يعزز مكانة تلمسان كوجهة سياحية مميزة.

تعمل السلطات الجزائرية في السنوات الأخيرة على تعزيز مكانة قصبة هنين سياحياً، من خلال جهود الترميم والحفاظ على المعالم الأثرية، كما يتم تطوير البنية التحتية المحيطة لاستيعاب أعداد متزايدة من الزوار، وهو ما يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، ويجعل من الموقع مركزاً لإحياء التراث.

تُقام في محيط القلعة فعاليات ثقافية ومهرجانات محلية تهدف إلى إبراز أهمية الموقع التاريخي، وجذب الزوار من داخل وخارج الجزائر، بينما يشارك المجتمع المحلي في هذه الجهود عبر ورش تعليمية للشباب لتعريفهم بقيمة القصبة، ما يعزز روح الانتماء ويحافظ على استمرارية التراث عبر الأجيال.

تظل قصبة هنين أكثر من مجرد حصن قديم، فهي ذاكرة حية تنقل قصص الماضي، وكل حجر من جدرانها يروي حكاية من عصور غابرة، لتمنح زائريها رحلة في الزمن تجمع بين الأصالة والدهشة، وتجعلها رمزاً خالداً للتراث الجزائري العريق وتجربة لا تُنسى لكل محبي التاريخ والحضارة.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار