الجمعة 1447/02/14هـ (08-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » فن صناعة الناعور العراقي وسيلة تراثية لرفع المياه من الأنهار إلى الأراضي الزراعية

فن صناعة الناعور العراقي وسيلة تراثية لرفع المياه من الأنهار إلى الأراضي الزراعية

أدرجت منظمة اليونسكو المهارات والفنون الحرفية التقليدية الخاصة بصناعة الناعور في قائمة التراث الثقافي غير المادي، وهو ما يمثل اعترافًا دوليًا بأحد أقدم وأهم الموروثات المرتبطة بالزراعة والبيئة في العراق، حيث يعود استخدام الناعور إلى قرون طويلة.

ويجسد هذا الابتكار الشعبي وسيلة فنية وتقنية لرفع المياه من الأنهار إلى الأراضي الزراعية، خاصة في المناطق التي ينخفض فيها منسوب المياه ولا يمكن الاعتماد فيها على الطرق التقليدية للري.

ناعور - المعرفة

اعتمد سكان المناطق الزراعية في العراق، خاصة في المناطق الغربية، على النواعير المصنوعة من الخشب، وهي عجلات ضخمة تتصل بأباريق فخارية تُربط باستخدام سعف النخيل، وتدور عبر حركة المياه لرفعها إلى القنوات الزراعية، حيث مثلت هذه التقنية حجر الزاوية في استقرار المجتمعات الريفية، وساهمت في ضمان الأمن الغذائي، وجعلت من المياه موردًا متاحًا طوال العام في مناطق يصعب فيها استخدام أساليب الري الحديثة.

أتقن الحرفيون العراقيون عبر الأجيال صناعة الناعور بكل تفاصيله الدقيقة، حيث تتطلب هذه الحرفة خبرات متراكمة في النجارة الدقيقة، وتركيب الأخشاب وفق نظام هندسي متوازن، واستخدام مواد طبيعية لتحمل قوة المياه وتغيرات الطقس، كما تتطلب عملية تشغيل الناعور مهارات ميدانية لضبط دوران العجلة وسرعة تدفق المياه بما يتناسب مع حاجات الأراضي الزراعية، بينما تبقى الصيانة الدورية جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على كفاءة هذا النظام.

أكدت الجهات المختصة أن إدراج الناعور في قائمة اليونسكو عام 2021 يشكل خطوة محورية نحو حماية هذا التراث الحي من الاندثار، في ظل تراجع عدد الحرفيين القادرين على صناعته، وتزايد التحديات التي تهدد بقاء الموروثات التقليدية، كما يسهم هذا الاعتراف في تعزيز الوعي بقيمة المهارات المحلية، ويفتح المجال أمام مبادرات تعليمية تهدف إلى نقل هذه المعرفة إلى الشباب بشكل منهجي ومدعوم.

النواعير في قضاء هيت.. عامل جذب سياحي تصارع البقاء - شفقنا العراق

أطلقت مؤسسات محلية بالتعاون مع منظمات ثقافية حملات لتوثيق مراحل صناعة الناعور وأشكاله المختلفة، وأشركت بعض الورش التدريبية الشباب الراغبين في تعلم هذه المهنة، كما طالبت هذه الجهات بضرورة تقديم الدعم المالي والمعنوي للحرفيين، وخلق فرص تسويق للنواعير كمنتج سياحي وثقافي، إلى جانب الحفاظ على وظيفتها الزراعية الأساسية.

يستمر الناعور في العراق رمزًا للابتكار الشعبي والتكيف البيئي، ومثالًا حيًا على قدرة المجتمعات على خلق حلول عملية من الموارد المتاحة، كما يجسد من خلال صوته وحركته اليومية ذاكرة جماعية لا تزال حاضرة في حياة آلاف المزارعين، ويؤكد أن التراث ليس مجرد ماضٍ يُحتفى به، بل ممارسة يومية ترتبط بالهوية والاستمرار.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار