انطلق فن الراي من غرب الجزائر وتحديداً من مدينة وهران، واستمر في التطور حتى أصبح من أبرز أشكال التعبير الفني التي تنقل هموم الناس وتصور واقعهم وتعكس تحولات المجتمع، وقد حظي هذا الفن باعتراف عالمي حين أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، ما يعكس قيمته الرمزية وأهميته الثقافية على المستوى الإنساني، حيث لا يمثل مجرد موسيقى شعبية بل هو سجل حي لتغيرات اجتماعية وثقافية شهدتها الجزائر خلال العقود الماضية.
استمد الراي اسمه من الكلمة العربية “رأي”، والتي تشير إلى التعبير عن الموقف الشخصي والرأي الحر، وقد كان الفن منذ بداياته وسيلة للتعبير عن المواقف الصريحة حيال موضوعات الحب والفقر والحرية والتمرد على القيود، وقد ساعدت البيئة الاجتماعية في وهران وسيدي بلعباس على تطور هذا النمط الفني، خاصة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي مرت بها الجزائر في مراحل الاستعمار والاستقلال.
انطلق الراي في بدايته من أفواه “الشيوخ والشيخات” الذين كانوا يحيون الأعراس والحفلات المحلية من خلال غناء القصائد الشعبية ومرافقتها بآلات موسيقية بسيطة، ثم انتقل الراي إلى مرحلة جديدة في ثمانينات القرن الماضي، حيث ظهر ما يعرف بـ”الشاب والشابة” الذين طوروا هذا الفن باستخدام الآلات الحديثة ومزجوه بأساليب موسيقية غربية مثل الروك والإلكترو والفانك، دون أن يتخلوا عن الجذور الثقافية المحلية، وهو ما جعله أكثر قرباً من الشباب وأوسع انتشاراً داخل وخارج الجزائر.
ساهم الراي في تشكيل وعي فني جديد داخل المجتمع الجزائري، كما أصبح وسيلة يعبر بها الفنانون عن الواقع والتحديات اليومية، وتمكن من تجاوز حدود البلاد ليصل إلى الجماهير في أوروبا والعالم العربي، خاصة بفضل فنانين مثل الشاب خالد والشاب مامي، الذين قدموا الراي في قالب عالمي دون أن يتخلوا عن لهجته الجزائرية ومضمونه المحلي، وهو ما سمح بنقل الثقافة الجزائرية إلى جمهور واسع ومتنوع.
يمثل تسجيل فن الراي ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي خطوة مهمة نحو الحفاظ على ذاكرة موسيقية ظلت لقرون تنبض بنبض المجتمع، وهو اعتراف دولي بقيمته الفنية والرمزية، ويدعو إلى حمايته من التهميش وإعادة الاعتبار للفنانين الذين حملوا هذا التراث في ظروف صعبة.
فن الراي لا يزال حتى اليوم يعبر عن قضايا مثل الحرية والعدالة والكرامة، ويحتفظ بمكانته في وجدان الجزائريين رغم تغير الذائقة العامة، وهو بذلك يؤكد أنه ليس مجرد موسيقى عابرة بل هو تجسيد حي لهوية ثقافية وجمالية متجددة، ويقدم نموذجاً لما يمكن أن تقدمه الموسيقى من دور في نقل التاريخ الاجتماعي للأمم والشعوب.
المصدر: ويكيبيديا