أدرجت منظمة اليونسكو فنون الأداء لدى طوائف غبنتن في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، لتصبح تونس بذلك أكثر حضورًا على خريطة التراث العالمي بعد أن رفعت عدد عناصرها المسجلة إلى ثمانية، ويعكس هذا التسجيل الجديد اعترافًا دوليًا بأهمية الموروث الفني المحلي ودوره في تشكيل الهوية الوطنية، كما يعزز الجهود الرامية إلى حماية التراث الشعبي من الاندثار وتحفيز المجتمعات المحلية على مواصلة ممارسته.
تشكل طوائف غبنتن واحدة من أبرز المجموعات الفنية التقليدية في جنوب تونس، وتنتمي إلى قبيلة ورغمة المنتشرة في مناطق مدنين وقابس والحدود الليبية، وتمثل عروض هذه الطوائف نموذجًا فريدًا لفنون الأداء التي تمزج بين الموسيقى والإيقاع والشعر الشعبي، حيث تعتمد العروض على الطبل التقليدي المعروف باسم “الشنة” المصنوع من جلد الجمل، ويترافق ذلك مع إنشاد جماعي لأغانٍ شعبية وقصائد ذات طابع اجتماعي وسياسي، وغالبًا ما تحمل العروض رسائل رمزية بأسلوب ساخر وذكي يعكس الواقع المحلي.
تتميز هذه الطوائف بأداء موحد في الشكل والمضمون، إذ يرتدي أعضاؤها زيًا تقليديًا موحدًا مكونًا من جبة بيضاء وشاشية حمراء، ويقف قائد الطائفة في موقع مركزي يضبط الإيقاع ويوزع الأدوار ويؤدي أحيانًا أجزاء من القصائد، وتوصف الطائفة بأنها “سفينة” والقائد هو “الربان” بينما يشكل باقي الأعضاء طاقمها، ويؤدي العرض وفق نظام دائري يحيط بالطبل الرئيسي، مما يمنح الأداء طابعًا حركيًا وإيقاعيًا متناسقًا.
تؤدي الطوائف عروضها في المناسبات الاجتماعية الكبرى مثل الأعراس والمهرجانات والاحتفالات العامة، وتتفاعل بشكل مباشر مع الجمهور من خلال الكلمات والأداء، وتكتسب بذلك طابعًا تواصليًا يجعل المتفرجين جزءًا من الحدث، ولا تقتصر هذه العروض على الترفيه فقط، بل تشكل وسيلة لنقل القيم والعادات وتوثيق التجارب الجماعية والوقائع اليومية التي تميز المجتمع المحلي.
ويعتبر تسجيل فنون الطوائف ضمن قائمة التراث خطوة لحماية هذه الممارسة الثقافية من الزوال، كما يفتح المجال أمام دعم المؤسسات الثقافية والسلطات المحلية لهذه الفرق، سواء عبر تقديم منح مالية أو توفير فضاءات للعروض أو تنظيم فعاليات ترويجية داخل البلاد وخارجها، ويمنح الاعتراف الأممي لهذه الطوائف فرصة للمشاركة في مهرجانات دولية وتبادل الخبرات مع مجموعات فنية من ثقافات مختلفة، مما يعزز الحوار الثقافي ويخلق فرصًا اقتصادية جديدة للمجتمعات المعنية..
الملف الذي قاد تسجيل هذا العنصر تم إعداده بإشراف خبير التراث عماد صولة، وركز على الأبعاد الفنية والرمزية لهذا النوع من العروض، وتم تقديمه رسميًا في فبراير 2021 تحت عنوان “فنون العرض لدى طوائف غبنتن”، ولاقى الملف دعمًا من جهات بحثية ومجتمعية ساهمت في توثيق المعلومات وتقديم التسجيلات الصوتية والبصرية المطلوبة.
يرى المتابعون لهذا الحدث أن أهمية فنون طوائف غبنتن تكمن في قدرتها على الاستمرار رغم التغيرات الاجتماعية والسياسية، وهو ما يجعلها تراثًا حيًا يعكس مرونة الثقافة التونسية وقدرتها على التجدد، كما يشكل هذا الاعتراف مناسبة للتفكير في سبل تطوير هذا النوع من الفنون دون المساس بأصالته أو تحويله إلى منتج سياحي فاقد للمضمون.
المصدر: اليونسكو
