الخميس 1447/02/27هـ (21-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مرئي » المعالم التاريخية » فخار نساء سيجنان يحفظ التراث ويعزز الهوية الثقافية

فخار نساء سيجنان يحفظ التراث ويعزز الهوية الثقافية

تُجيد نساء سيجنان في تونس صناعة الفخار بكل مراحله الدقيقة، ويُعد هذا النشاط اليدوي أكثر من مجرد حرفة يومية لأنه يمثل جزءًا من ذاكرة جماعية وهوية محلية توارثتها الأمهات والجدات عبر أجيال متعاقبة، بدءًا من استخراج الطين وتنقيته وعجنه يدويًا، وصولًا إلى تشكيل القطع وتجفيفها وتزيينها بأنماط مستوحاة من الطبيعة، وانتهاءً بحرقها وتجهيزها للعرض أو البيع.

وتشكل هذه المهارات حزامًا اجتماعيًا وثقافيًا يربط بين النساء والعائلات في المنطقة، ويمنحهن مصدر دخل ثابت يعزز من مكانتهن داخل الأسرة والمجتمع.

شاهد: فخار سجنان.. حكاية فن أوصلته نساء الجبال من تونس إلى التراث العالمي | يورونيوز

تقوم النساء بكل خطوات صناعة الفخار دون تدخل من الآلات، حيث يعتمدن على تقنيات تقليدية حافظت على خصوصية الإنتاج المحلي، ويستخرجن الطين من التربة المحيطة، ثم يقمن بعجنه في فضاءات مفتوحة ومخصصة لهذا الغرض، قبل أن يُشكل يدويًا بأشكال متنوعة تشمل الأواني والمزهريات والأدوات المنزلية التي ما زال الطلب عليها مستمرًا.

وتُزيّن القطع بألوان طبيعية ورسوم دقيقة مقتبسة من الأوشام البربرية القديمة والمنسوجات التقليدية، مما يمنح الفخار طابعًا جماليًا خاصًا ومتفردًا، ويجعل من كل قطعة عملًا فنيًا يرتبط بمكانه وسياقه الثقافي.

تمثل هذه الحرفة مصدر تماسك أسري لأن عملية الإنتاج لا تقتصر على النساء فقط، بل يشارك الرجال في عمليات النقل والتسويق والبيع، مما يخلق حالة من التعاون داخل الأسرة الواحدة ويعزز من الروابط الاجتماعية، كما تُشجَّع الفتيات منذ الصغر على تعلم هذه المهارات داخل البيوت أو الورش الصغيرة التي تُقام في ساحات القرى، ويجري نقل الخبرة عبر التعليم الشفهي والتجريب المباشر، بعيدًا عن المؤسسات الرسمية أو التدريب الصناعي، ويُعد هذا النمط من التعلم غير الرسمي أحد أهم عوامل استمرارية الحرفة رغم التغيرات المجتمعية.

أظهرت نساء سيجنان قدرة لافتة على تطوير منتجات الفخار لتتناسب مع احتياجات السوق الحديث، حيث أدخلن أشكالًا جديدة وأحجامًا مخصصة للمطابخ العصرية والمناسبات، مما ساعد على توسيع قاعدة الزبائن داخل تونس وخارجها، كما أسهم في حماية الحرفة من الركود أو الانقراض.

فخار أجداد سجنان: صناعة تونسية تبهر السياح

واعترافًا بهذه القيمة الثقافية والاجتماعية، أدرجت منظمة اليونسكو مهارات نساء سيجنان في قائمة التراث الثقافي غير المادي، تقديرًا لدورهن في الحفاظ على الفنون التقليدية ونقلها من جيل إلى آخر.

يعكس فخار سيجنان تداخلًا واضحًا بين الثقافة والعمل اليومي، كما يعبّر عن علاقة قوية بين الإنسان والطبيعة، ويبرز دور النساء كمحافظات على الذاكرة الجماعية ومصدر إبداع بصري لا ينضب، ويُعد دعم هذا النشاط ضرورة لحماية جزء أساسي من التراث الشعبي الذي لا يزال حيًا في تفاصيل الحياة اليومية.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار