تُعد مدينة عوالي الواقعة في المحافظة الجنوبية بالبحرين من أبرز المستوطنات النفطية في الخليج، فقد تأسست عام 1934 على يد شركة نفط البحرين “بابكو”، وجاء تأسيسها كأول نموذج حضري متكامل لإيواء العاملين في القطاع النفطي وأسرهم، الأمر الذي منحها مكانة خاصة جعلها تُسجل في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو كمستوطنة نفطية متميزة.
منذ نشأتها عُرفت عوالي بتخطيطها العمراني المستوحى من الطراز الأوروبي الحديث، حيث ضمت شبكة طرق مُعبدة ومنازل منظمة ومرافق متطورة لم تكن متاحة آنذاك في مدن المنطقة، مثل نظام التكييف المركزي والصرف الصحي، وهو ما جعلها تمثل نموذجاً عمرانياً جديداً عكس صورة الحداثة في الخليج العربي.
لكن عوالي لم تكن مجرد مستوطنة نفطية حديثة، فقد ارتبطت بتاريخ أعمق يعود إلى حضارة دلمون القديمة التي ازدهرت في البحرين، إذ تضم المنطقة مواقع أثرية تعود إلى آلاف السنين تشمل مدافن ومعابد ومستوطنات قديمة، وهو ما يمنح المدينة طابعاً مزدوجاً يجمع بين إرث الحضارات القديمة وحداثة العصر الصناعي.
يُعد نادي عوالي للشراع واحداً من أبرز معالمها، حيث تأسس في سبعينيات القرن الماضي ليكون مركزاً رياضياً وثقافياً يحتفي بسباقات السفن الشراعية التقليدية على ساحل قرية الزلاق، وقد ساهم النادي في الحفاظ على جانب مهم من التراث البحري الذي اشتهرت به البحرين.
كما تحتضن المدينة مكتبة تاريخية أُسست عام 1954، لتكون مركزاً فكرياً وثقافياً لأبناء المستوطنة والعاملين فيها، وقد تحولت هذه المكتبة مع مرور الزمن إلى رمز للهوية الثقافية لعوالي ولتوثيق التحولات الاجتماعية والفكرية التي شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية.
وتبرز أهمية المواقع الأثرية في عوالي التي تعكس عظمة حضارة دلمون، حيث تضم مجمعات دفن ضخمة ومستوطنات قديمة، وتجذب هذه الآثار الباحثين وعلماء التاريخ إلى جانب الزوار المهتمين باستكشاف الماضي العريق للبحرين، ما يجعل من عوالي جسراً يربط بين حقبتين متباينتين.
وتحرص هيئة البحرين للثقافة والآثار على إبراز قيمة عوالي التاريخية والحضارية، عبر تنظيم فعاليات ومبادرات ثقافية تُبرز تراثها النفطي وآثارها القديمة، وهو ما ساهم في تعزيز مكانة المدينة كوجهة للزوار والسياح من مختلف أنحاء العالم.
وتقدم زيارة عوالي تجربة فريدة تتيح للزائر استكشاف مزيج خاص يجمع بين إرث حضارة دلمون الغنية وتاريخ النفط الذي غيّر ملامح الخليج، فالمدينة تمثل رحلة عبر الزمن من العصور القديمة وصولاً إلى بدايات القرن العشرين، وتجسد نموذجاً ملهماً للتعايش بين التراث والحداثة.
المصدر: ويكيبيديا
