يُعد ضريح الملك ماسينيسا في بلدية الخروب قرب مدينة قسنطينة من أبرز المعالم التاريخية التي تُجسد عمق الحضارة النوميدية، إذ يخلد ذكرى أول ملك وحد مملكة نوميديا الأمازيغية في شمال إفريقيا، وقد بُني في الفترة الممتدة بين 202 و148 قبل الميلاد، ما جعله رمزًا للوحدة السياسية والحضارية لتلك المملكة القديمة، كما أُدرج الضريح ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو اعترافًا بقيمته التراثية العالمية.
يمتاز الضريح بتصميم معماري يمزج بين الطراز الأمازيغي والبونيقي، ويعكس مدى تطور الفنون الجنائزية لدى النوميديين، حيث تظهر جدرانه الحجرية الصلبة ونقوشه المتناسقة قدرة المهندسين على الجمع بين الجمالية والصلابة، وهو ما جعله شاهدًا حيًا على إبداع الحضارة النوميدية التي تركت بصمتها في شمال إفريقيا، كما يطلق عليه السكان المحليون اسم “صومعة إبليس” نظرًا لضخامته وغموض تفاصيله.
يقع الضريح في موقع استراتيجي بالخروب قرب قسنطينة، وهو ما يفسر مكانته كرمز ملكي بارز، إذ يندرج ضمن سلسلة الأضرحة الملكية النوميدية والموريطنية المنتشرة عبر شمال إفريقيا، ما يعكس أهمية الجزائر كمركز حضاري قديم، كما أن الآثار المرتبطة بالموقع تقدم دلائل على قوة نوميديا التجارية والسياسية التي فرضت حضورها في المنطقة.
النقوش والتصاميم المحفوظة على الضريح تُقدم تفاصيل دقيقة عن الطقوس والعادات الجنائزية للنوميديين، كما تكشف عن مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية التي ميزت المملكة، الأمر الذي يجعل الضريح مصدرًا مهمًا للباحثين في مجال الآثار والتاريخ القديم، فضلًا عن كونه شاهدًا على تفاعل حضارات المنطقة مع مؤثرات محلية وبونيقية متداخلة.
تعمل السلطات الجزائرية منذ سنوات على تعزيز مكانة ضريح ماسينيسا عالميًا من خلال السعي لإدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، وذلك لما يمثله من قيمة علمية وثقافية وسياحية كبيرة، كما أن هذه الجهود تهدف إلى حماية الضريح من عوامل التدهور وضمان نقله للأجيال القادمة بوصفه رمزًا حضاريًا جامعًا.
يمثل الضريح بالنسبة للزوار محطة أساسية لاكتشاف تاريخ نوميديا القديمة، إذ يروي قصة ملك أمازيغي استطاع أن يوحد مملكة قوية ويترك إرثًا خالدًا، وزيارته تتيح تجربة ثقافية غنية تجمع بين التاريخ والهوية والبحث العلمي، وهو ما يجعل استكشافه مصدر إلهام للباحثين والسياح على حد سواء.
إن ضريح ماسينيسا لا يقف عند حدود كونه بناءً جنائزيًا فحسب، بل يجسد في تفاصيله قوة الحضارة النوميدية وإبداعها، ويعيد ربط الماضي بالحاضر عبر قصة ملك غيّر مسار التاريخ في شمال إفريقيا، ليبقى شاهدًا خالدًا على عمق الإرث الأمازيغي ودور الجزائر كمركز حضاري عالمي.
المصدر: ويكيبيديا