يُعد ضريح السعديين واحداً من أبرز المعالم التاريخية في مدينة مراكش المغربية، حيث يقع داخل القصبة التاريخية التي تمثل القلب القديم للمدينة، وقد أُنشئ الضريح سنة 1557 ميلادية على يد السلطان عبد الله الغالب بالله، سلطان الدولة السعدية، ليكون مكاناً مخصصاً لدفن أفراد العائلة المالكة، ومع مرور الزمن تحول إلى رمز معماري وروحي يخلد ذكرى السلالة السعدية التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ المغرب.
شهد الضريح توسعة كبيرة خلال عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي الذي حكم بين عامي 1578 و1603، حيث أمر بإضافة مبانٍ جديدة وصالات دفن فخمة تعكس عظمة الدولة وقوتها، وقد تميزت هذه التوسعة بالزخارف المغربية الدقيقة والنقوش التي امتزجت فيها العناصر الأندلسية والإسلامية، ما جعل الموقع تحفة معمارية متكاملة تعكس مهارة الصناع المغاربة في تلك الحقبة.
يضم الضريح مقابر لعدد من الملوك وأفراد الأسرة السعدية، أبرزهم السلطان أحمد المنصور نفسه، وقد رُصفت الأضرحة بالرخام وزُينت بزخارف خشبية وجصية دقيقة، كما تزينت القباب بالسيراميك المزخرف الذي أضفى على المكان طابعاً جمالياً خاصاً، مما جعله موقعاً فريداً يجمع بين الرمزية الدينية والقيمة الفنية، ويعكس عظمة العمارة الإسلامية في المغرب.
ظل الضريح لفترة طويلة مخفياً عن الأنظار بعد أن أُغلق مدخله في القرن السابع عشر، ولم يُكتشف إلا في مطلع القرن العشرين خلال فترة الحماية الفرنسية على المغرب، حين أعيد فتحه أمام الزوار والباحثين، ومنذ ذلك الوقت تحول إلى مقصد سياحي وثقافي مهم يقصده آلاف السياح سنوياً لاكتشاف جمالياته المعمارية وتاريخه العريق.
في عام 1985، أدرجت منظمة اليونسكو ضريح السعديين ضمن قائمة التراث العالمي كجزء من مدينة مراكش التاريخية، وهو اعتراف بمكانته الفريدة ضمن النسيج العمراني للمدينة، وبقيمته العالمية التي تتجاوز حدود المغرب لتصبح إرثاً إنسانياً مشتركاً، حيث يجمع بين البعد التاريخي والعمارة المميزة التي بقيت شاهدة على عظمة السعديين.
اليوم يمثل الضريح فضاءً يربط الماضي بالحاضر، فهو ليس مجرد مكان للزيارة بل موقع يعكس تاريخ ملوك حكموا وأسهموا في بناء مجد المغرب، ويُعد شاهداً حياً على تلاقح الفنون الإسلامية والأندلسية، ويظل واحداً من أهم معالم مراكش التي تستقطب الباحثين والمهتمين بالتاريخ والعمارة.
المصدر: اليونسكو