تشكل صناعة الصابون النابلسي أحد أوجه التراث الفلسطيني العريق، إذ ترتبط هذه الحرفة تاريخيًا بمدينة نابلس التي اشتهرت بإنتاجه منذ مئات السنين، وتقوم هذه الصناعة على استخدام زيت الزيتون كمادة أساسية، إلى جانب الماء والصودا الكاوية، مع اعتمادها الكامل على الأساليب اليدوية في معظم مراحل الإنتاج، وهو ما منح هذا المنتج تميزًا واستمرارية رغم المتغيرات الاقتصادية والتجارية.
يمثل الصابون النابلسي منتجًا طبيعيًا بالكامل، حيث لا تدخل في تصنيعه أي مواد كيميائية أو صناعية، مما جعله أكثر توافقًا مع المعايير البيئية والصحية الحديثة، ويعد الزيت المستخرج من ثمار الزيتون الناضجة المكون الأساسي لهذا الصابون، إذ يُطهى مع الماء والصودا الكاوية في قدور ضخمة مصنوعة من النحاس لمدة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أيام، ضمن عملية معقدة تحتاج إلى دقة وخبرة متوارثة، ويُعرف عن هذه العملية أنها تعتمد على المراقبة المستمرة لدرجة الحرارة والتحريك المتواصل حتى يتحول الخليط إلى عجينة متجانسة.
بعد الانتهاء من مرحلة الطبخ، يُسكب الخليط على أرضية حجرية نظيفة، ويُفرد بشكل متساوٍ ضمن إطار خشبي، ثم يُترك ليبرد قبل أن تبدأ عملية التقطيع اليدوي إلى مكعبات صغيرة، وتُترك هذه المكعبات لتجف طبيعيًا لفترة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر، حيث تُرتب على رفوف خشبية في أماكن جيدة التهوية بعيدًا عن الشمس المباشرة، وتُعتبر هذه المرحلة ضرورية لإكساب الصابون الصلابة والجودة المطلوبة.
تمثل هذه الصناعة مصدر دخل رئيسي لعشرات العائلات في مدينة نابلس، حيث تُشغّل المصانع المحلية أيدي عاملة تعتمد في مهارتها على نقل المعرفة من جيل إلى آخر، وقد ساهم هذا الامتداد التاريخي في اعتبار الصابون النابلسي رمزًا للهوية الثقافية الفلسطينية، ووسيلة لتعزيز الانتماء الشعبي للمنتج المحلي، كما تم إدراج هذه الحرفة مؤخرًا ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو، وهو ما يعكس الاعتراف الدولي بقيمتها التراثية والإنسانية.
تعمل مؤسسات ثقافية ومجتمعية محلية على حماية هذه الصناعة من التراجع، من خلال تنظيم مبادرات توعوية وتسويقية تهدف إلى تعزيز وجود الصابون النابلسي في الأسواق المحلية والعالمية، كما تروج العديد من المعارض والفعاليات السياحية لهذا المنتج بوصفه سلعة تراثية، وتشجع الزوار على زيارة مصانع الصابون والاطلاع على خطوات تصنيعه.
رغم التحديات المرتبطة بتقلب أسعار زيت الزيتون والتغيرات المناخية التي تؤثر على كميات الإنتاج، يظل الصابون النابلسي حاضرًا في وجدان الفلسطينيين كأحد مكونات ثقافتهم الحية، ويستمر هذا المنتج التقليدي في فرض حضوره داخل البيوت والأسواق، بفضل طابعه الطبيعي وارتباطه العميق بالهوية المحلية.
المصدر: اليونسكو