تُحافظ الأسر المغربية على واحدة من أقدم الحرف اليدوية المرتبطة بالهوية الثقافية من خلال صناعة أقمشة الأطلس والأدراس ، وتُمارس هذه الحرفة منذ قرون داخل القرى والمدن الجبلية والصحراوية ، حيث تتوارث الأجيال المهارات والمعارف المتعلقة بصناعة هذه الأقمشة ذات القيمة الاجتماعية والجمالية العالية ، ويُشكل النول اليدوي الأداة المركزية التي تُستخدم في عمليات النسيج التقليدية داخل المنازل أو الورش الصغيرة.
ينفرد قماش الأطلس بخيوطه اللامعة المصنوعة من الحرير الطبيعي ، ويتميز بملمسه الناعم وبريقه الذي يُلفت الأنظار ويُضفي طابعاً احتفالياً على الملابس النسائية التقليدية ، بينما يُنسج قماش الأدراس من مزيج بين خيوط الحرير والقطن ويُعرف بسماكته ومتانته التي تُلائم الاستعمالات المتعددة داخل المنازل والمناسبات ، وغالباً ما تُستخدم هذه الأقمشة في خياطة الفساتين التقليدية والقفاطين واللحف والمفروشات الاحتفالية.
تُسهم هذه الحرفة في تعزيز الروابط الاجتماعية داخل المجتمعات المحلية ، حيث يجتمع أفراد الأسرة على مراحل صناعة القماش من تحضير المواد الخام وحتى إتمام النسيج ، كما تشكل ورش العمل والمهرجانات الثقافية فرصة لتبادل الخبرات بين الحرفيين وتعريف الأجيال الجديدة بأهمية هذه الصناعة ، وتنتقل التقنيات بشكل مباشر من الجدات والأمهات إلى البنات في إطار تربية ثقافية متكاملة.
تتطلب عملية إنتاج هذه الأقمشة مهارات دقيقة تشمل فرز الحرير وغسله وصبغه بالألوان الطبيعية وتحضيره للنسيج ، ويعتمد الحرفيون على النقوش والزخارف الهندسية أو النباتية التي تحمل رموزاً تراثية متجذرة في الذاكرة المحلية ، وتُنفذ هذه الزخارف على مراحل دقيقة تُراعي التنسيق بين الألوان والخيوط لإنتاج قطع نسيجية تتمتع بالجمال والمتانة في آن واحد.
واهتمت منظمة اليونسكو بهذا التراث من خلال إدراج المعارف والمهارات التقليدية المتعلقة بصناعة أقمشة الأطلس والأدراس ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي ، وهو ما يُمثل اعترافاً دولياً بقيمة هذا النوع من الحرف اليدوية ويُسهم في دعم الجهود الرسمية والشعبية الرامية لحمايته من الاندثار ، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية وتراجع الإقبال على المنتجات التقليدية في الأسواق المعاصرة.
تُعزز هذه المبادرات فرص الحفاظ على الحرف التقليدية في المغرب وتفتح المجال أمام تطويرها عبر الجمع بين الخبرة التراثية والتقنيات الحديثة ، كما تُشجع النساء على الاستمرار في ممارسة هذه الحرفة كمصدر دخل مستدام ووسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية ، وتُعتبر هذه الأقمشة اليوم رموزاً حية لتراث المغرب المتنوع والمترابط بين الماضي والحاضر.
المصدر: ويكيبيديا