السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » اليمن » مادي » الآثار » سد مأرب اليمني أقدم معجزة هندسية عرفها التاريخ وسبب تحوّل حضاري عظيم

سد مأرب اليمني أقدم معجزة هندسية عرفها التاريخ وسبب تحوّل حضاري عظيم

يستعيد التاريخ ذاكرته حين يُذكر سد مأرب الذي بُني في اليمن قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، فقد شيّد بين عامي 1750 و1700 قبل الميلاد ليصبح أول سد مائي معروف في العالم، ويمثل معجزة هندسية سبقت كل مفاهيم إدارة المياه الحديثة، إذ استخدم السبئيون في إنشائه تقنيات متقدمة لحصر مياه الأمطار والسيول وتوزيعها على الأراضي الزراعية، فحوّلوا الصحراء إلى واحة خضراء تمتد على مساحة تقترب من مئة ألف كيلومتر مربع، مما جعله رمزًا لازدهار اليمن القديم.

حقق السبئيون من خلال هذا السد طفرة حضارية نادرة، فقد اعتمدوا على نظام تصريف دقيق يوجه المياه نحو قنوات زراعية مدروسة، وأقاموا جسورًا ترابية وحواجز حجرية تتحكم بتدفق المياه، وهو ما جعل مأرب مركزًا زراعيًا وتجاريا يمد الجزيرة العربية بالمحاصيل والمنتجات، وارتبط اسمه بالخصب والرخاء، حتى ورد ذكره في القرآن الكريم ضمن وصف بلدة طيبة ذات جنتين عن يمين وشمال، في إشارة إلى غزارة المياه وخصوبة الأرض.

لم يكن سد مأرب المشروع الوحيد الذي شيده السبئيون، بل كان امتدادًا لمحاولاتهم المتكررة منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد في حصر المياه والاستفادة من الأمطار الموسمية، إذ أظهرت الاكتشافات الأثرية وجود سدود صغيرة ونظم ري بدائية سبقت مأرب بقرون، مما يؤكد أن السبئيين امتلكوا معرفة هندسية متطورة في إدارة الموارد المائية، وجعلوا من حضارتهم إحدى أكثر الحضارات العربية تقدمًا في العصور القديمة.

غير أن المجد لم يدم طويلًا، فقد شهد السد سلسلة من الانهيارات المتكررة بفعل عوامل طبيعية وهزات أرضية وسيول عارمة، إلى أن جاء الانهيار الأكبر المعروف بـ”سيل العرم”، الذي تسبب في كارثة إنسانية واقتصادية هائلة، إذ انهارت الأراضي الزراعية وجفت القنوات وهاجر أهل مأرب من ديارهم، فتفرقت قبائل اليمن في أرجاء الجزيرة العربية، ووصل بعضهم إلى الحجاز ونجد وبلاد الشام، بينما عبر آخرون البحر نحو إفريقيا حاملين معهم إرثهم الثقافي ولغتهم وحرفهم.

يحمل سد مأرب اليوم قيمة تاريخية تتجاوز كونه أثراً هندسياً، فهو شاهد على عبقرية الإنسان اليمني وقدرته على التكيف مع الطبيعة وتسخيرها لخدمته، كما يعكس حجم الخسارة التي تركها انهياره في الذاكرة العربية، إذ تحول من رمز للحضارة إلى درس في الاندثار والتفكك حين يغيب التوازن بين الإنسان والبيئة، لذلك لا يزال ذكره حاضرًا في الدراسات الأثرية والنصوص الدينية بوصفه نقطة تحول شكلت مسار التاريخ في جنوب الجزيرة.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار