الجمعة 1447/02/21هـ (15-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الإمارات العربية المتحدة » مرئي » المعالم التاريخية » سباق الهجن إرث ثقافي عربي حي يعزز الهوية والتنوع

سباق الهجن إرث ثقافي عربي حي يعزز الهوية والتنوع

أدرجت منظمة اليونسكو سباق الهجن ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي في عام 2020، وذلك استنادًا إلى ملف مشترك تقدمت به سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهو إدراج يعكس القيمة العميقة لهذا التقليد العريق الذي يجسد العلاقة الفريدة بين الإنسان والإبل في المجتمعات العربية، ويؤكد في الوقت ذاته أهمية هذا النشاط كعنصر حي يتوارثه الناس جيلاً بعد جيل، ويحمل في طياته رموزًا من الفخر والانتماء والتاريخ المشترك بين الشعوب الخليجية والعربية.

جاء هذا الاعتراف العالمي بعد أن قدّمت الدولتان ملفًا شاملًا يوثق الجوانب المادية والمعنوية المرتبطة برياضة الهجن، بدءًا من السباقات نفسها، ومرورًا بالعادات والاحتفالات والممارسات المرتبطة بتربية الإبل وتدريبها، ووصولًا إلى الدور المجتمعي والاقتصادي الذي تؤديه في الحياة اليومية للمجتمعات البدوية، إذ لم تعد سباقات الهجن مجرد منافسات رياضية، بل تحوّلت إلى طقوس اجتماعية ومناسبات احتفالية تزخر بالفنون والعروض والفعاليات التراثية، التي تجمع بين الأصالة وروح المعاصرة.

أسهم هذا الإدراج في تعزيز الجهود المبذولة للحفاظ على هذا التراث ونقله إلى الأجيال القادمة، خاصة أن سباق الهجن يشكل أحد المظاهر الأبرز للثقافة البدوية، التي لطالما ارتبطت بقيم الكرم والشجاعة والانضباط والارتباط الوثيق بالطبيعة. كما تسهم هذه الرياضة في تنمية البنية الثقافية للمنطقة، وتعكس تنوّعها الاجتماعي، من خلال مشاركة القبائل والعائلات في تنظيم السباقات وتدريب الجمال ورعايتها، الأمر الذي يرسّخ روح المشاركة المجتمعية، ويعزز مكانة التراث غير المادي كركيزة أساسية من ركائز الهوية الوطنية.

الإمارات والإبل: "أسرار سباق الهجن" فيلم وثائقي من إنتاج "وام".. يُعرض بـ 13 لغة - أريبيان بزنس

وعلى مستوى المردود الاقتصادي، فإن سباقات الهجن تشكل موردًا مهمًا لآلاف العاملين في هذا القطاع، سواء في مجالات تربية الإبل، أو التدريب، أو البيع والشراء، أو تنظيم المهرجانات، أو الصناعات التقليدية المرتبطة بها مثل السروج واللباس التراثي وأدوات الزينة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تحسين دخل الأسر الريفية، وتنشيط الأسواق المحلية، وتحفيز السياحة الثقافية، خاصة خلال المواسم التي تشهد تنظيم مهرجانات للهجن تجذب آلاف الزوار من داخل وخارج المنطقة.

وتتمتع سباقات الهجن في كل من الإمارات وعمان بطابع خاص يجمع بين الصرامة الرياضية والاحتفالية الثقافية، إذ يتم تنظيم السباقات وفق جداول مدروسة ومسارات مجهزة بأحدث التقنيات، مع الحفاظ على الطابع التراثي من خلال النداءات الشعبية، والفرق الموسيقية التقليدية، واللباس الوطني، والأنشطة الموازية، التي تخلق حالة من التفاعل والتكامل بين الأجيال، وتجعل من هذه السباقات منصات حقيقية للتعريف بالتراث العربي وتعزيز الفخر به أمام العالم.

ويُمثل إدراج سباق الهجن ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي دعوة مفتوحة لمواصلة العناية بهذا الموروث الأصيل، وحمايته من التغيرات السريعة التي قد تهمّش طبيعته الثقافية، كما يضع هذا الإدراج مسؤولية كبيرة على المؤسسات المعنية لتوثيق جميع عناصر هذه الرياضة، والتشجيع على نقل معارفها التقليدية من الجيل القديم إلى الشباب، عبر مشاريع تعليمية وإعلامية ومجتمعية تحفظ ذاكرة الشعوب وتربطها بجذورها الثقافية.

وبهذا، لا يُعد سباق الهجن مجرد رياضة، بل هو مرآة لتاريخ طويل من التفاعل بين الإنسان وصحرائه، وقصة حضارية لا تزال تُروى بأقدام الجمال، وزغاريد الفخر، وصيحات الأمل في ساحات السباق الممتدة بين كثبان الخليج وواحات الصحراء.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار