تحتضن مدينة سامراء الأثرية، الواقعة على ضفاف نهر دجلة شمال العاصمة العراقية بغداد، إرثًا حضاريًا فريدًا يجعلها واحدة من أهم المواقع الأثرية الإسلامية المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وتمثل المدينة، التي كانت يومًا عاصمة للدولة العباسية في القرن التاسع الميلادي، نموذجًا بارزًا للنهضة المعمارية والفنية التي شهدها العالم الإسلامي في تلك الفترة، إذ لا تزال شواهد هذه الحضارة قائمةً حتى اليوم من خلال المساجد والقصور والمنشآت العمرانية التي تزين المدينة وتمنحها طابعًا تاريخيًا استثنائيًا.
تتميز سامراء بمسجدها الجامع، الذي يُعد من أكبر المساجد في العالم الإسلامي القديم، ويُعرف بمنارته الملوية الشهيرة، والتي تأخذ شكلًا حلزونيًا يرتفع فوق الأرض ليشكّل معلمًا هندسيًا فريدًا.
وقد أنشئت هذه المنارة في عهد الخليفة المتوكل بالله، الذي أولى المدينة اهتمامًا بالغًا، وجعلها مركزًا سياسيًا ودينيًا وثقافيًا مزدهرًا، ولم يكن المسجد ومعالمه مجرد منشأة دينية، بل مركزًا للحياة الفكرية والعلمية في تلك الحقبة.
وتضم المدينة عددًا كبيرًا من القصور التي تعكس روعة العمارة العباسية، مثل قصر الجعفري وقصر المشتاق، اللذان يشهدان على ترف الحياة الملكية ومهارة المهندسين في تصميم الباحات الرحبة والزخارف المتقنة.
كما تُعد مدينة المتوكلية، التي شيدها الخليفة المتوكل أيضًا، من المعالم التي تبرهن على التخطيط الحضري المتطور للدولة العباسية، حيث بُنيت وفق تصور متكامل لمدينة إدارية وحضارية متكاملة.
ولا تكتمل صورة سامراء دون ذكر جامع أبي دلف، الذي يقع جنوب المدينة على بعد نحو 15 كيلومترًا، ويتميز بتصميم فني متفرد، ويمثل امتدادًا لتقاليد العمارة العباسية.
وتبرز في الجامع خصائص هندسية دقيقة تجمع بين البساطة والزخرفة الرمزية، كما يبرز موقعه الجغرافي كجزء من التخطيط العام للمنطقة آنذاك، والذي يجمع بين الجمال الهندسي والوظائف الاجتماعية والدينية.
وقد حظيت مدينة سامراء بتقدير عالمي عندما أُدرجت على قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2007، ما يؤكد مكانتها كأحد الشواهد المادية الباقية على حضارة إسلامية امتدت عبر قرون، وأسهمت في إثراء التراث الإنساني، وتُعد هذه الخطوة دعوة مفتوحة إلى صون المدينة وحماية ما تبقى من معالمها، وتعزيز الوعي الثقافي بأهميتها، خاصة في ظل التحديات التي واجهتها خلال العقود الماضية من إهمال وصراعات مسلحة أثرت على العديد من مواقعها التاريخية.
ورغم ذلك، لا تزال سامراء تحتفظ بجوهرها المعماري الفريد، وتشكل شاهدًا حيًا على المجد العباسي الذي طالما ألهم المؤرخين والباحثين، كما أنها تمثل فرصة للباحثين والزوار لاستكشاف عمق التاريخ الإسلامي وتنوعه من خلال شوارعها القديمة وقصورها ومساجدها.
المصدر: اليونسكو