يمثل التحطيب أو ما يعرف بلعبة العصا واحداً من أبرز الفنون القتالية الشعبية في مصر، ويعود بجذوره إلى عصور مصر القديمة حيث ارتبط في بداياته بالممارسات العسكرية، ثم تحول مع مرور الزمن إلى فن تراثي يزاوج بين القتال والرقص الشعبي، ويمنح ممارسيه مكانة اجتماعية بارزة داخل مجتمعاتهم.
ويُمارس التحطيب في صعيد مصر بشكل رئيسي، حيث يجتمع الرجال والشباب والأطفال في ساحات مفتوحة لعقد منافسات ودية تعتمد على استخدام العصي الطويلة مع الالتزام بقواعد شرفية صارمة تضمن احترام الخصم وحماية سلامة المشاركين.
ويجري تنظيم جولات التحطيب عادة على أنغام موسيقى شعبية تصاحب المتبارزين، مما يضفي على الأداء طابعاً احتفالياً يجمع بين القوة الجسدية والإيقاع الفني، وهو ما جعلها تُعرف أحياناً برقصة العصا.
ولا يقتصر حضور هذا الفن على الجانب الترفيهي فحسب، بل يعد وسيلة للتواصل الاجتماعي والتقارب بين أبناء القرى، إذ توفر المنافسات مجالاً للتعارف والتقدير المتبادل، وتعكس في الوقت ذاته تمسك المجتمع بجذوره الثقافية.
وينتقل هذا الفن عبر الأجيال داخل العائلات والأحياء، حيث يتعلم الأبناء أصوله على يد الآباء والأقارب، الأمر الذي يجعل التحطيب مدرسة اجتماعية لترسيخ قيم الفروسية والاحترام والتعاون.
ويشارك الصغار في التدريبات الأولية، بينما يحتفظ الكبار بمكانة خاصة باعتبارهم حراساً لهذا التراث وموجهيه، وهو ما يساهم في استمراريته وانتشاره.
ويمنح التحطيب ممارسيه شعوراً عميقاً بالثقة والفخر، إذ يكتسب المشاركون مهارات بدنية تعزز من قدراتهم الدفاعية، بجانب الارتقاء بمكانتهم الاجتماعية نتيجة التقدير الذي يحظون به من محيطهم.
كما أن روح المنافسة الشريفة التي تسود المباريات تساهم في ترسيخ قيم الانضباط وضبط النفس، وتساعد على تنمية روابط الاحترام المتبادل داخل المجتمع.
ويحظى التحطيب بدعم واسع بوصفه جزءاً أصيلاً من الهوية الوطنية المصرية، إذ يُدرج في الاحتفالات والمناسبات الكبرى، وتُقام له عروض خاصة أمام الزوار والسياح لتعريفهم بالتراث المصري الأصيل.
وقد ساهم إدراج لعبة العصا عام 2016 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في مصر في تعزيز حضورها دولياً، حيث لفت الأنظار إلى قيمتها التاريخية والثقافية، وأكد على أهمية الحفاظ عليها باعتبارها إرثاً إنسانياً يثري التنوع الثقافي العالمي.
ويبرز التحطيب اليوم مثالاً واضحاً على قدرة الفنون التقليدية على الجمع بين الأصالة والتجديد، إذ يستمر كفن شعبي متجذر في الذاكرة الجماعية، ويمثل في الوقت نفسه ساحة لتجديد الروابط الإنسانية وتعزيز الهوية الوطنية، مما يجعله أحد أهم العناصر التراثية التي تستحق الدعم والرعاية لضمان استمرارها في وجدان الأجيال القادمة.
المصدر: اليونسكو