يعود تأسيس خان الخليلي إلى القرن الرابع عشر الميلادي خلال العهد المملوكي، حيث أمر الأمير المملوكي جاركس الخليلي ببناء الخان على أنقاض مقابر الفاطميين، ليصبح في ما بعد مركزاً تجارياً نابضاً بالحياة، ويُعد اليوم من أعرق الأسواق التاريخية في القاهرة والعالم العربي.
احتل السوق موقعاً محورياً في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للقاهرة الإسلامية، إذ جمع بين الأنشطة التجارية والروحية، وكان وجهة رئيسية للتجار القادمين من الشرق والغرب، كما ارتبط بمحيطه المعماري والديني من خلال قربه من الأزهر ومنطقة الحسين، ما عزز من قيمته في الذاكرة الشعبية.
اشتهر الخان بمحلاته المتخصصة في الحرف اليدوية والمصنوعات التقليدية مثل النحاس والفضة والعطور والمنسوجات، واحتفظ بخصائصه المعمارية رغم مرور القرون، حيث تُظهر أزقته الضيقة والممرات المقوسة طبيعة التخطيط المملوكي، وتعكس واجهاته الحجرية وزخارفه القديمة الهوية الجمالية للمدينة الإسلامية.
تم إدراج خان الخليلي عام 1979 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي في إطار ملف القاهرة الإسلامية، ما يؤكد اعتراف منظمة اليونسكو بقيمته التاريخية، ويدفع إلى ضرورة الحفاظ عليه كموقع تراثي يعكس التفاعل بين التجارة والثقافة والعمارة في العصر الوسيط، ويُعد نموذجاً حياً على استمرارية الوظيفة والمكانة في آن واحد.
استمر الخان في أداء دوره كسوق نشط يجمع بين البعد السياحي والوظيفة اليومية، حيث يُقبل عليه الزوار من مختلف أنحاء العالم بحثاً عن المقتنيات التقليدية وتجربة الأجواء التاريخية، كما يُعد مقصداً رئيسياً للسياحة الثقافية في القاهرة، ويجمع في تفاصيله بين القديم والمستمر.
يُعد الخان أيضاً مركزاً للحياة الاجتماعية والفنية، إذ كان على مدار قرون ملتقى للكتّاب والمفكرين، وتناولته نصوص أدبية شهيرة أبرزها ما ورد في روايات نجيب محفوظ، ما يعزز من رمزيته في الوجدان المصري ويمنحه بعداً ثقافياً يتجاوز كونه مجرد سوق.
واصل خان الخليلي أداءه بوصفه جزءاً من نسيج القاهرة الإسلامية، ويُعد وجوده عنصراً فاعلاً في الحفاظ على الطابع التراثي للمنطقة، كما يساهم في دعم الصناعات الحرفية التي تمثل امتداداً للمهارات التقليدية، ويُشكل نموذجاً حياً على الترابط بين الاقتصاد المحلي والهوية الثقافية.
المصدر: اليونسكو