يطل حصن الغراب على التاريخ اليمني باعتباره واحدًا من أبرز المعالم الأثرية التي صمدت أمام تعاقب العصور، ويقع الحصن في محافظة شبوة على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، حيث يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث الميلادي، كما يندرج ضمن قائمة المواقع الإرشادية المؤقتة لليونسكو في المنطقة الساحلية الممتدة بين بلحاف وبروم، وهو ما يمنحه أهمية إضافية على المستوى العالمي.
يُعرف الحصن أيضًا في بعض المصادر بكونه قلعة أثرية شامخة في مدينة ثلا شمال العاصمة صنعاء، حيث يبعد عنها بنحو 45 كيلومترًا، وقد اشتهر بدوره الحصين عبر التاريخ، إذ شكّل ملاذًا آمنًا للعلماء والدعاة والأمراء، وصمد في وجه مختلف محاولات الهجوم، مما جعله مركزًا سياسيًا وعسكريًا له تأثير بارز في مختلف المراحل.
تتوزع في الحصن آثار متعددة تنتمي للحضارة الحميرية وما تلاها من عصور، حيث عُثر على نقوش سبئية وحميرية منقوشة في صخور الحصن، إضافة إلى برك مائية محفورة بعناية في الحجر كانت تستخدم لتخزين المياه، كما يضم مدافن قديمة خُصصت لتخزين الحبوب بما يعكس التنظيم المعماري والاقتصادي لسكان تلك الفترات.
يتميز الحصن بأبراج دفاعية لا تزال شاهدة على فنون التحصين القديمة، فقد بُنيت لتكون نقاط مراقبة وحماية للمدينة المحيطة، كما تحيط به أسوار منيعة زادت من قوة الدفاع ضد الهجمات، أما مبانيه الداخلية فقد تعرض معظمها للتهدم مع مرور الزمن، إلا أن بعض المنشآت ما زالت قائمة، مثل برج مكوّن من ثلاثة طوابق يبرز تفاصيل العمارة الحجرية التي ازدهرت في اليمن.
في الجانب التاريخي، يُظهر حصن الغراب مزيجًا من الحضارات التي مرت باليمن، فقد احتوى على آثار حميرية واضحة إلى جانب معالم أضيفت خلال عصور السلطنة والأئمة، حيث شهد الحصن عمليات ترميم وتوسيع في عهد الإمام المطهر بن شرف الدين، الذي حرص على تعزيز دوره الدفاعي والسياسي، ليظل الحصن بمثابة نقطة ارتكاز مهمة في المشهد اليمني.
من أبرز الاكتشافات الأثرية في الحصن النقش المعروف باسم “نقش حصن الغراب” والموسوم بالرمز (621CIH)، ويُعد هذا النقش من أهم الشواهد التي توثق لفترة حيوية في تاريخ جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام، حيث يكشف تفاصيل عن الأحداث السياسية والاجتماعية في تلك الحقبة، مما يمنح الباحثين مادة علمية نادرة لفهم أعمق لحضارات المنطقة.
يمثل حصن الغراب اليوم إرثًا معماريًا وتاريخيًا يربط الماضي بالحاضر، ويكشف عن دور اليمن كمركز حضاري بارز في شبه الجزيرة العربية، ويظل شاهداً على قدرة الإنسان اليمني على بناء قلاع وحصون صامدة جمعت بين القوة الدفاعية والإبداع المعماري، وهو ما يجعله وجهة مهمة للباحثين والمهتمين بالتاريخ والآثار.
المصدر: ويكيبيديا