يشكل جسر القنطرة في ولاية بسكرة أحد أبرز المعالم الأثرية في الجزائر، إذ شُيّد على يد الرومان في القرن الأول الميلادي بهدف تسهيل حركة التنقل ونقل البضائع بين ضفتي وادي غوفي، وجاء تصميمه كحل هندسي متطور في ذلك الوقت يعكس براعة الرومان في فنون البناء وتخطيط المدن، كما أنه يمثل نموذجاً واضحاً لأسلوبهم المعماري الذي اعتمد على القوة والمتانة في تشييد الجسور والقناطر.
وحافظ الجسر على مكانته عبر العصور رغم ما مر به من تغيرات تاريخية، إذ أقدم الفرنسيون في القرن التاسع عشر على ترميمه وتوسعته ليعود من جديد إلى الخدمة، حيث كان آنذاك جزءاً من مشاريع استعمارية هدفت إلى ربط مناطق الداخل بالمدن الرئيسية، ومع ذلك بقي الجسر رمزاً لهوية المكان وشاهداً على التقاء حضارتين مختلفتين في زمنين متباعدين.
ويقع الجسر في مدينة القنطرة التي تحمل اسمه، وهي مدينة ذات طبيعة جغرافية مميزة إذ يشقها وادي غوفي الذي يضفي على المشهد جمالاً طبيعياً يلتقي فيه التاريخ بالطبيعة، وقد جعل هذا الموقع الجسر معلماً سياحياً بارزاً يتوافد إليه الزوار من داخل الجزائر وخارجها، حيث يقف السائح أمام لوحة تجمع بين الآثار الرومانية والجبال المحيطة والواحات التي تشتهر بها المنطقة.
ويعرف الجسر محلياً باسم “جسر القنطرة الروماني”، وهو اليوم أحد المكونات الأساسية للموقع المسجل في القائمة الإرشادية المؤقتة لمنظمة اليونسكو، حيث يشمل الموقع واحة حديقة الأوراس ووادي غوفي إضافة إلى القنطرة، مما يرفع من قيمته العالمية ويضعه ضمن المعالم المرشحة مستقبلاً للحصول على اعتراف رسمي من المنظمة كتراث إنساني، وهو ما يعزز مكانة الجزائر على خريطة السياحة الثقافية.
ويمثل الجسر قيمة حضارية مزدوجة، فهو من جهة يعكس قدرة الرومان على التكيف مع طبيعة المنطقة وتطويعها لخدمة شبكاتهم التجارية والعسكرية، ومن جهة أخرى يبرز جهود الفرنسيين في إعادة إحياء معالم قديمة لإعادة توظيفها في سياقات جديدة، وهو ما يجعل الجسر مثالاً للتواصل الزمني بين مراحل مختلفة من تاريخ الجزائر.
ويؤكد الباحثون في مجال الآثار أن جسر القنطرة لم يكن مجرد وسيلة للعبور بل كان مركزاً استراتيجياً في زمن الرومان، إذ ساهم في ربط طرق التجارة العابرة للصحراء بشمال إفريقيا، ما جعله نقطة التقاء للقوافل وحلقة وصل بين الحضارات، كما أن تصميمه المتين جعله يصمد لقرون طويلة رغم العوامل الطبيعية وتغيرات المناخ.
ويعتبر اليوم قبلة للزوار والمهتمين بالتراث، حيث يلتقط الزائر صوراً عند القوس الحجري المميز للجسر، ويقف متأملاً مزيج التاريخ والجغرافيا الذي يضفي على المكان خصوصية لا تتكرر، كما يشكل مصدر فخر لأبناء المنطقة الذين يرون فيه رمزاً لصمود مدينتهم وارتباطها بجذور عريقة تعود إلى آلاف السنين.
المصدر: ويكيبيديا