يشهد جبل البركل، الواقع شمال السودان، تراجعًا ملحوظًا في النشاط السياحي رغم أهميته التاريخية والدينية، حيث يُعد من أبرز المعالم الأثرية المرتبطة بحضارة كوش القديمة الممتدة لأكثر من خمسة آلاف عام.
وقد ارتبط الجبل بمعتقدات دينية راسخة لدى المصريين القدماء الذين اعتقدوا أن الإله آمون يسكن في هذا الموقع، ما منحه قدسية استثنائية ما زالت حاضرة في الوعي المحلي حتى اليوم، ويطلق عليه السودانيون اسم “الجبل الطاهر” لما له من رمزية روحية وجغرافية مميزة، إلا أن الظروف السياسية والأمنية في البلاد حالت دون الاستفادة من قيمته كموقع جذب سياحي.
احتضن الجبل خلال الفترة المروية مقبرة ملكية ضمت أقدم المدافن في القرن الثالث قبل الميلاد، كما بُني هرم الملك تهارقا الذي يُعتبر أكبر هرم في السودان في مدينة نوري القريبة، واستند موقع بنائه إلى ظاهرة التعامد الفلكي بين قمة الجبل والهرم، حيث يتعامد شروق الشمس في 31 يوليو مع قمة البركل، بينما يُرى غروبها في 16 نوفمبر من قمة الهرم، ما يؤكد دقة الحسابات الفلكية لدى الكوشيين، ويعكس مدى التقدم المعرفي في الهندسة والفلك والعمارة، وشهدت المنطقة لاحقًا بناء معبد آمون النبتي، أحد أكبر المعابد الكوشية المقدسة.
ارتبط جبل البركل أيضًا بالطرق التجارية القديمة التي ربطت وسط أفريقيا بالجزيرة العربية ومصر، وكان معبرًا حيويًا عبر النيل إلى الضفتين، ما جعله مركزًا اقتصاديًا ودينيًا وسياسيًا في آن واحد.
وأكد المؤرخ محمد الحسن الأمين أن الجبل ظل منذ العصور القديمة مقدسًا ومرتبطًا بالفولكلور المحلي، ويضم حاليًا أكثر من 30 معبدًا أهمها معبد آمون رع، مشيرًا إلى أنه لا يزال يحظى بزيارات السكان المحليين الذين يعتبرونه مصدر بركة.
أُدرج جبل البركل على قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 2003، وتم لاحقًا إطلاق مهرجان ثقافي باسمه عام 2014، إلا أن هذا الحدث توقف بعد ثورة ديسمبر 2018، ما أوقف الزخم الفني والثقافي المرتبط بالموقع، وأشار الكاتب أمجد سامح إلى أن ربط الفعاليات التراثية بالحكومات يعرقل استمراريتها، مطالبًا بفصل الأنشطة الثقافية عن الصراعات السياسية.
في عام 2020، أطلقت اليونسكو مشروعًا لدعم السياحة المستدامة بجبل البركل بمشاركة مؤسسات حكومية وأكاديمية ومجتمعية، ويهدف المشروع إلى وضع خطة تطويرية متكاملة لحماية الموقع من الإهمال وتعزيز حضوره عالميًا، غير أن الظروف على الأرض لم تواكب تلك الخطط، وظلت المواقع الأثرية، رغم جهود الهيئات الثقافية، تعاني من التدهور، بينما يُحرم آلاف السياح سنويًا من زيارتها نتيجة عدم الاستقرار.
المصدر: إندبندنت عربية