السبت 1447/05/10هـ (01-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » سوريا » مرئي » المعالم التاريخية » جامع الدرويشية دمشق إرث عمراني إسلامي يمتد قرابة خمسة قرون

جامع الدرويشية دمشق إرث عمراني إسلامي يمتد قرابة خمسة قرون

يشكّل جامع الدرويشية بدمشق في سوريا معلمًا أثريًا ودينيًا بالغ الأهمية، فقد شُيد عام 982هـ/ 1574م، ليكون شاهدًا على حقبة الحكم العثماني، وسُمي الجامع باسم والي دمشق حينها، درويش باشا بن رستم باشا، وقد تم بناؤه بأمر من السلطان مراد خان الثالث.

اشتهر الجامع بباحته السماوية الكبيرة التي تتوسطها بركة ماء، كما يتميز برواقه الطويل المحمول على أعمدة ومقنطرات مبنية بالحجر الأبلق المميز، وغلب أسلوب البناء الدمشقي الذي يستخدم الحجر الأبيض والأسود على عمارة الجامع، وتتعدد القباب التي تعلوه، مما يمنحه طابعًا معماريًا فريدًا.

يتغذى سبيل الماء المجاور للجامع من مياه نبع الفيجة التي تصب في نهر بردى، مما يضمن تدفق الماء العذب للمصلين والمارة، وجُدد الجامع في عام 1364م بعد أن سقطت مظلة المئذنة، وشهد عملية ترميم شاملة في عام 2010، ليُعاد افتتاحه ويستمر في استقبال المصلين.

يربط الجامع مع قبته الكبيرة ممر مسقوف يُعرف باسم “السباط”، وقد شُيّد هذا الممر فوق الشارع الضيق على مقنطرات، ليعالج مشكلة فصل الطريق بينهما، تقع إلى جانب القبة الرئيسية ثلاث قباب صغيرة إضافية، مما يضيف تنوعًا على المشهد المعماري للجامع.

يأخذ الجامع شكلاً مستطيلًا بأبعاد 30 مترًا طولاً و 20 مترًا عرضًا، ويفضي مدخله إلى الفسحة السماوية الواسعة، حيث تقع البحرة التي يتوضأ منها المصلون، تعلو الرواق خمس قباب صغيرة، مما يخلق تتابعًا معماريًا مريحًا للعين.

تتنوع الزخارف الداخلية لجامع الدرويشية بين الرخام النفيس والقاشاني المصنوع محلياً بمهارة، وتظهر فيه الرصائع الأناضولية على شكل عناقيد من العنب، مما يعكس تمازج الفنون.

ويمثل الدرويشية مثالاً حيًا على تنوع مخططات الجوامع في تلك الفترة، حيث تغطي القبة الكبيرة حرم الصلاة الذي يسبقه رواق يدمج ببراعة بين العمارة العثمانية والشامية.

يظهر الأسلوب المحلي في البناء من خلال أروقة قاعة الصلاة العالية، التي تقع على كلا جانبي القاعة المقسمة إلى أروقة أخفض، ويختلف هذا التصميم عن الطراز المرتفع الخاص بالعمارة في إسطنبول.

كما كان الجامع مركزًا حيويًا لتجمع قوافل الحج القادمة من حلب باتجاه الحجاز مروراً بدمشق، مما أكسب المنطقة المجاورة طابعًا دينيًا وروحيًا خاصًا.

يتوسط الجامع منطقة تجارية نشيطة ومهمة، حيث يقع مقابل سوق الحريقة والحميدية وقلعة دمشق، مما يجعله نقطة التقاء تاريخية واقتصادية، ورغم أن بناء الجامع يقع خارج سور المدينة القديمة، إلا أن قيمته التاريخية الممتدة لقرابة 500 عام، وجمالية طراز عمارته، منحته أهمية كبرى ومكانة لا تُنازع.

يفضل غالبية المصلين في دمشق أداء الفروض والصلوات في الجوامع التاريخية القديمة، لأنها تمنحهم شعورًا عميقًا بالاستمرار والارتباط مع مسيرة الأجداد والآباء الذين توارثوا الصلاة في هذه الأماكن المباركة.

ويستقبل الجامع مساهمات المتبرعين والجمعيات الخيرية خلال شهر رمضان المبارك، حيث يتردد المحتاجون إلى هذه الأمكنة القديمة، باعتبارها مصدراً للبركة والخير والعطاء.

المصدر: إرم نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار