الجمعة 1447/02/14هـ (08-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » جامع الحيدر خانة شاهد على التحولات السياسية والدينية في بغداد الحديثة

جامع الحيدر خانة شاهد على التحولات السياسية والدينية في بغداد الحديثة

 

يشغل جامع الحيدر خانة موقعًا محوريًا في قلب الرصافة ببغداد، عند مدخل شارع الرشيد من جهة الميدان، ويُعد من أبرز المعالم التي ارتبطت بتاريخ العراق السياسي والديني خلال القرن الماضي، إذ لم يكن مجرد مكان للعبادة، بل تحوّل إلى ساحة للتعبير عن الرفض الشعبي ومركزٍ لصياغة المواقف السياسية والاجتماعية، خاصة خلال ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني.

أُنشئ الجامع عام 1819 على يد حيدر باشا الشاهبندر، وتبلغ مساحته نحو 2500 متر مربع، واحتوى على عدد من المدارس الدينية التي خرّجت العديد من العلماء، إضافة إلى مكتبة ضمت مؤلفات من أمهات الكتب في الفقه والأدب والتفسير والتاريخ، ما جعل منه مرجعًا دينيًا وفكريًا ووجهة لطلبة العلم والباحثين في مختلف العصور.

شهد المسجد خلال العهد الملكي تحولات كبيرة، إذ غدا مركزًا للحراك الجماهيري وقبلة للمعارضين وموقعًا لتنسيق الاحتجاجات، فقد جرى من داخله التنسيق بين زعماء العشائر خلال أحداث ثورة العشرين، واحتضن الشعراء الذين ألقوا قصائدهم التحريضية في فناءه، وشهد على خطب نارية ألهمت المواطنين ودعتهم لمواجهة الاحتلال بالسلاح والكلمة، مما دفع سلطات الاحتلال البريطاني آنذاك إلى اقتحامه أكثر من مرة بحثًا عن قيادات شعبية مؤثرة.

تحوّلت منطقة الحيدر خانة إلى مقر لكبار الشخصيات العراقية البارزة، فقد سكنها سياسيون مثل نوري سعيد وسعيد قزاز، كما كانت مقرًا لتجمع المثقفين والشعراء كمعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي، وفي المسجد ذاته ألقى الشاعر محمد مهدي البصير إحدى أشهر قصائده في حب بغداد، وتردد عليه شعراء وصحفيون كان لهم دور كبير في تشكيل الرأي العام في حقبة مبكرة من التاريخ العراقي الحديث.

رغم تلك الأهمية، فإن المسجد مغلق منذ سنوات، نتيجة الأوضاع الأمنية التي عصفت بالعاصمة وغيّرت من خريطتها الدينية والثقافية، ورغم وجود محاولات للترميم والصيانة، فإن غياب الرعاية المستمرة جعله عرضة للإهمال، وتحوّل إلى مبنى مغلق لا يُتاح للزائرين دخوله، كما أن الجهود الإعلامية للوصول إلى القائمين عليه لمعرفة تفاصيل إدارته أو خطة صيانته باءت بالفشل، ما يعكس درجة التجاهل التي طالت هذا المعلم العريق.

وتمثل منطقة الحيدر خانة التي تحتضن الجامع تنوعًا اجتماعيًا وثقافيًا نادرًا، فقد كانت نقطة التقاء بين تيارات سياسية ودينية مختلفة، وتجسد بذلك تنوع بغداد الحقيقي، فالجامع لم يكن فقط معلمًا دينيًا بل مركزًا لنقاشات فكرية وانطلاق تحولات وطنية امتدت تأثيراتها إلى مناطق العراق كافة، ومع غيابه الحالي عن الحياة اليومية، تغيب معه إحدى أبرز الواجهات الحضارية في الذاكرة العراقية المعاصرة.

المصدر: الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار