يُعد جامع أبو دلف من أبرز المعالم الإسلامية التاريخية في مدينة سامراء العراقية، وقد شيده الخليفة العباسي المتوكل على الله عام 246 هـ، ليكون جزءًا من مشروع عمراني واسع في مدينة المتوكلية، التي أسسها إلى الشرق من سامراء.
وتميز هذا الجامع بموقعه شمال المدينة بمسافة 15 كيلومترًا، ضمن محافظة صلاح الدين، وبمساحته الكبيرة التي بلغت 46800 متر مربع، مما جعله من أكبر المساجد التي بنيت في العصر العباسي، وواحدًا من أبرز النماذج المعمارية في التاريخ الإسلامي.
اعتمد بناء المسجد على تخطيط مستطيل تتوسطه ساحة مكشوفة، تحيط بها أروقة، أكبرها رواق القبلة، الذي يتكون من ثلاث بلاطات تمتد موازية للجدار الجنوبي.
وتُظهر معالم البناء استخدام الآجر والجص، مع استبدال الأعمدة الحجرية التي كانت تُستخدم في العصر الأموي بدعامات مصنوعة من الآجر، ساهمت في تقوية الهيكل المعماري وتحقيق التوازن البصري والوظيفي.
بُنيت مئذنة الجامع خارج سور المسجد في الناحية الشمالية، وهي منارة حلزونية ترتفع فوق قاعدة مربعة بطول ثلاثة أمتار، ويصعد إليها من الخارج بدرج حلزوني يشبه تصميم الزقورات البابلية القديمة، ما يجعلها فريدة في الطراز الهندسي مقارنة ببقية مآذن المساجد الإسلامية.
وبلغ ارتفاع سور المسجد الخارجي عشرة أمتار، مدعومًا بأربعين برجًا نصف دائري بارز بواقع مترين عن الجدار، ما يُظهر عناية واضحة بالتحصين المعماري والوظيفي.
احتوى رواق القبلة على 24 صفًا من الدعائم تُشكل 25 بلاطة، أما الجناحان الشرقي والغربي فقد ضما أربعة صفوف، في حين أن الجهة الشمالية اقتصر التخطيط فيها على ثلاثة صفوف.
وتميز المحراب بوجود زوجين من الأعمدة الرخامية التي انتهت بتيجان رومانية، ما يعكس تأثر العمارة العباسية بعناصر معمارية من حضارات سابقة، ودمجها ضمن طابع إسلامي أصيل.
اكتسب المسجد لاحقًا اسم “جامع أبو دلف” نسبة إلى القائد العباسي الشهير القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي، المعروف بلقب “أبو دلف”، الذي ارتبط اسمه بسامراء وكان من أعلام الدولة العباسية في عهد الخليفة هارون الرشيد.
ورغم أن أبا دلف لم يكن هو الذي شيد الجامع، فإن ارتباط اسمه بالموقع جاء نتيجة مكانته التاريخية وانتشار سيرته في الذاكرة المحلية.
يبقى جامع أبو دلف حتى اليوم من أهم الأطلال المعمارية المتبقية في سامراء، إذ يُعد شاهدًا على عبقرية العمارة العباسية وقدرتها على الدمج بين الجمال والوظيفة، وتواصل وزارة الثقافة العراقية بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة جهود الحفاظ عليه كجزء من التراث الإسلامي العالمي.
المصدر: ويكيبيديا