تُشير ثقافة الكناوة إلى مجموعة فريدة من الفعاليات الموسيقية، والممارسات الصوفية، التي تمزج بين ما هو ديني ودنيوي، وتُعدّ هذه الثقافة إرثًا غنيًا، يحمل في طياته تاريخًا عريقًا من التنوع، والصمود، والتعبير الفني، فهي ليست مجرد موسيقى، بل هي فلسفة حياة، تعكس روح الشعب المغربي، وتطلعه إلى التسامح، والانسجام.
كانت ثقافة الكناوة تُمارس في الأصل من قبل جماعات وأفراد، يعود أصلهم إلى العبودية، وتجارة الرقيق في القرن السادس عشر الميلادي، وقد تطورت هذه الممارسات مع مرور الزمن، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الثقافة المغربية، وهويتها المتعددة، فالموسيقى الكناوية، وطقوسها، تُعبر عن المعاناة، والألم، والفرح، والأمل، في مزيج فريد، يُلامس القلوب، ويُحرّك الوجدان.
تتضمن هذه الثقافة مجموعة من الطقوس العلاجية، مثل طقوس “الليلة” التي تُقام طوال الليل في المناطق الحضرية، بهدف طرد الأرواح الشريرة، والشفاء الروحي، كما تُقام الولائم الجماعية في المناطق الريفية، احتفالًا بالأولياء الصالحين، وهذه الممارسات تُظهر الدور الاجتماعي، والديني للكناوة في حياة المجتمع المغربي، وتُبرز أهميتها في تحقيق التوازن، والانسجام بين الأفراد، والجماعات.
يُشهد اليوم تزايدًا في عدد المجموعات الأخوية، وكبار الموسيقيين الكناويين، في مختلف مدن المغرب، وقراه، مما يدلّ على حيوية هذه الثقافة، واستمرارها، فمجموعات الكناوة، التي تُنظّم في جمعيات متخصصة، تُقيم مهرجانات محلية، وإقليمية، ووطنية، ودولية على مدار العام، مما يُسهم في نشر هذه الثقافة، وتعريف العالم بها، وجعلها وجهة سياحية وثقافية فريدة.
في عام 2019، تمّ إدراج ثقافة الكناوة في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في المغرب، وهذا الاعتراف الدولي يُؤكد على قيمة هذه الثقافة، وضرورة الحفاظ عليها، وصيانتها، لتبقى رمزًا حيًا لروح التسامح، والتعايش، والتنوع الثقافي في المغرب، وهذا يُشجع على دعم الفنانين، والموسيقيين الكناويين، وتوفير كل السبل اللازمة لهم، لاستمرارية هذا الفن العريق.
المصدر: إندبندنت عربية