تُبرز مدينة تطوان المغربية مكانتها كأحد أهم المراكز الثقافية في شمال إفريقيا من خلال تراثها الغني والمتنوع الذي يجمع بين الطابع الأندلسي والهوية المغربية الأصيلة، وقد أدرجت المدينة العتيقة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1997 بفضل طابعها المعماري الفريد الذي يعكس تمازج حضارات متعددة عبر قرون، مما يجعلها نموذجًا حيًا للتنوع الثقافي والتاريخي في المنطقة.
تتجلى التأثيرات الأندلسية في تفاصيل الهندسة العمرانية داخل أحياء المدينة القديمة، حيث تظهر الزخارف والنقوش الخشبية والأقواس والفسيفساء في كل بيت وساحة، كما يُلاحظ انسجام العمارة مع أنماط الحياة اليومية لسكان المدينة، وهو ما يعزز خصوصية تطوان مقارنة ببقية المدن المغربية، ويجعلها بمثابة متحف مفتوح للعمارة الإسلامية والأندلسية في آنٍ واحد.
تحتضن المدينة معالم تاريخية متنوعة تشمل القصبة والجامع الأعظم وحي الملاح، إلى جانب المقبرة اليهودية التي تعد من أقدم مواقع الدفن اليهودي في المغرب، والتي تضم آلاف الشواهد التاريخية، وتعكس هذه المواقع تعددية دينية وثقافية امتزجت في تطوان على مدى قرون وأسهمت في تشكيل ملامح مجتمع متسامح ومتعدد الجذور.
انضمت تطوان إلى شبكة المدن الإبداعية التابعة لليونسكو في مجال الحرف والفنون الشعبية، ما يؤكد استمرار دورها كمركز إقليمي للإنتاج الثقافي والفني، وتشتهر المدينة بصناعاتها التقليدية المتنوعة مثل الذهب والفضة والخياطة التطوانية والنقش على الجلد، وقد ساهم هذا التنوع في تعزيز الاقتصاد المحلي وفي الحفاظ على المهارات التراثية التي توارثتها الأجيال.
يُشكل التراث الثقافي في تطوان عامل جذب سياحي كبير، حيث يقصدها الزوار لاكتشاف أزقتها القديمة والتعرف على الفنون الشعبية والأسواق التقليدية، كما تحرص المؤسسات المحلية على تنظيم فعاليات ثقافية سنوية لإبراز هوية المدينة وتعزيز التفاعل بين مكوناتها الاجتماعية والتراثية، في سياق يدعم استدامة الموروث الثقافي ويعزز من حضور تطوان في المحافل العالمية.
تعكس تجربة تطوان كيف يمكن للمدن أن تحافظ على تراثها وفي الوقت ذاته تواكب التحولات الثقافية المعاصرة، حيث تُمثل المدينة نموذجًا للتنمية المستدامة المبنية على الثقافة والتراث، وتشير جهود الصيانة والتوثيق المستمرة إلى وعي مجتمعي عميق بقيمة الذاكرة الجمعية وضرورة نقلها للأجيال القادمة.
المصدر: اليونسكو