الأحد 1447/05/04هـ (26-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » المغرب » مرئي » الآثار » تحفة معمارية خالدة.. باب المنصور لعلج بمكناس يروي تاريخ 4 قرون من العظمة والسلاطين

تحفة معمارية خالدة.. باب المنصور لعلج بمكناس يروي تاريخ 4 قرون من العظمة والسلاطين

أعلن السلطان المولى إسماعيل عن بناء مدينة مكناس المغربية عاصمة لمملكته، وشرع في تنفيذ مشروع عمراني ضخم امتد على مدى 45 سنة، فأنشأ 40 كيلومترًا من الأسوار والأبراج والأبواب الضخمة، كما وزع المخازن والإسطبلات والحدائق العامة والمسطحات المائية بطريقة دقيقة، وكان هدفه الجمع بين الدفاع عن المدينة وتنظيم حركة سكانها، وبرز من بين هذه الأعمال باب المنصور الذي جدد على يد المولى عبد الله بن إسماعيل وزين بنقوش خزفية وفسيفساء متعددة الألوان، وارتفع إلى 16 مترًا، وعُرفت زخارفه الهندسية الدقيقة بالقطع الخضراء والخطوط الفخارية المنقوشة على الجبس، ليصبح رمزًا للبراعة المعمارية المغربية.

تجلت أهمية باب المنصور في كونه مسرحًا لأحداث متعددة، فقد عبره الجنود والقادة والموكب الرسمي، وسمع زواره أصوات الأسواق وحفيف الأثواب ورنة حوافر الخيول، كما وثقت جدارياته وجوه العابرين وألوانهم وأجناسهم، فاحتفظ الباب بأطياف هؤلاء في لوحة خيالية تحكي تاريخ المدينة، وهو ما جعله شاهدًا حيًا على حياة مكناس اليومية وحركة سكانها منذ القرن السابع عشر، ويضفي على المكان بعدًا ثقافيًا ومعماريًا فريدًا يعكس التراث المغربي الغني.

أبواب مدينة.. "باب المنصور لعلج" بمكناس الباب الذي أبت الأقطار المغربية أن تعززه بثان - العمق المغربي

احتضن الباب محكمة باشا المدينة، التي عقدت جلساتها لحل النزاعات، وكان مقصده بعد صلاة الجمعة للغداء مع القادة العسكريين، كما نظم أمامه الاحتفالات الدينية والعسكرية، وامتدت هذه التقاليد عبر العصور، وواصل السكان والمحافظون على استمراريتها حتى اليوم، ويقع الباب قرب ضريح مولاي إسماعيل والمدرسة البو عنانية وحي الملاح القديم، ما يجعله نقطة محورية تربط بين أهم المعالم التاريخية للمدينة، ويعكس حرص السلطان على دمج الوظائف الإدارية والدينية والاجتماعية في موقع واحد.

بني الباب في عام 1143 هجري الموافق 1731-1732 ميلادي، ونسب إلى المعماري العلج، وأشرف على تنفيذه القائد الجيلالي، ويظهر في تصميمه سعة البنية وتنوع المواد المستخدمة ووفرة التزيينات، ما يجعله مختلفًا عن أبواب المدن المغربية الأخرى، ويبرز قدرة السلطان على الجمع بين الجمال والفائدة الدفاعية، ويعكس تطور العمارة الإسلامية في المغرب العربي من خلال المزج بين الفسيفساء والخزف والزخارف الهندسية، وهو ما جعله واحدًا من أبرز المعالم التي تجذب الزوار والباحثين في التاريخ والمعمار.

يمثل باب المنصور اليوم رمزًا لمكناس التاريخية ووجهة سياحية وثقافية، ويجذب الزوار من جميع أنحاء العالم للتعرف على أسرار البناء الإسلامي وفن الفسيفساء والزخارف الهندسية، كما يعكس روح المدينة القديمة التي دارت حول القصبة والإسطبلات والمخازن والحدائق، ويظهر أثر الزمن في صموده وجماله، ما يجعله شاهدًا حيًا على عبقرية الإنسان في المزج بين الفن والمعمار والدفاع، ويؤكد أهمية الحفاظ على التراث المغربي للأجيال القادمة، ويعكس قدرة الإنسان على الابتكار والإبداع في كل حقبة من الزمن.

المصدر: العملق المغربي

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار