تُعتبر مدينة تبسة الواقعة في شرق الجزائر من أبرز الحواضر التاريخية التي تجمع بين الإرث الروماني والبيزنطي والثراء الثقافي المحلي، إذ تأسست خلال القرن الأول الميلادي في ظل الحكم الروماني، وتحتفظ إلى اليوم بمعالم أثرية بارزة جعلتها ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، وهو ما يعكس قيمتها الحضارية ومكانتها في الذاكرة التاريخية للمنطقة.
تضم تبسة معالم أثرية فريدة يأتي في مقدمتها قوس النصر كاراكالا الذي يُعد من أبرز الشواهد المعمارية الرومانية، كما تضم المدينة مدرجاً رومانيّاً ضخماً ومعبد منيرفا الذي يكشف عن العمق الديني والثقافي الذي عاشته المنطقة في تلك الحقبة، وتُعد هذه المعالم مؤشراً على أهمية تبسة كمركز حضاري في شمال إفريقيا.
يمثل السور البيزنطي المشيد في القرن السادس معلماً آخر يميز المدينة، حيث شُيد ليكون مجمعاً عسكرياً ومقراً دفاعياً في مواجهة الأخطار، كما كان يحتوي على محاجر بيزنطية استخدمت في أعمال البناء، وهو شاهد على قوة العمارة في تلك الفترة، وعلى التمازج بين الطابع العسكري والديني للمدينة القديمة.
عرفت تبسة تعاقب عدة حضارات على مر العصور بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وصولاً إلى الحقبة الرومانية ثم البيزنطية والوندالية، وقد تركت كل حضارة بصمتها الواضحة في معالمها العمرانية ومقتنياتها الأثرية، وهو ما جعلها مرجعاً غنياً للباحثين والمهتمين بالتاريخ القديم.
لا يقتصر تميز تبسة على آثارها فقط بل يمتد إلى تراثها الثقافي الحي، حيث تشتهر بصناعة الزربية الدراقة والحنبل التقليديين اللذين يحملان زخارف مستوحاة من عناصر الطبيعة، وتُعد هذه الصناعات رمزاً للإبداع المحلي وإرثاً متوارثاً عبر الأجيال.
تنتج المدينة أيضاً تحفاً من الفخار وسعف النخيل مثل السلال والمنتجات الجلدية، وتُبرز هذه الصناعات الحرفية براعة أهل تبسة في تحويل المواد البسيطة إلى منتجات تعكس روح الهوية الثقافية للمنطقة، مما يجعلها عنصراً جاذباً للزوار والمهتمين بالحرف اليدوية.
تحضر الملابس التقليدية بقوة في المشهد الثقافي لتبسة، إذ يُعد اللحاف والسفساري من أبرز الأزياء التي تُستخدم في المناسبات والطقوس الخاصة بالزواج، وهذه الأزياء لا تعكس فقط الهوية المحلية بل تُجسد أيضاً الترابط الاجتماعي والطقوسي الذي يميز سكان المنطقة.
تعمل السلطات المحلية على بذل جهود متواصلة للحفاظ على هذا الإرث العريق، حيث تُسجل المساعي لإدراج المزيد من معالم تبسة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، كما يتم تنظيم فعاليات ثقافية للتعريف بتاريخها وإبراز دورها كوجهة سياحية تجمع بين الأصالة والعمق التاريخي.
تُقدم تبسة تجربة فريدة للزوار بفضل مزيجها بين التاريخ والهوية الثقافية، فهي مدينة تختزن ذاكرة الحضارات المتعاقبة وتحتفي في الوقت ذاته بحرفها وصناعاتها الشعبية، مما يجعلها نموذجاً للتكامل بين الماضي والحاضر.
يُشكل تراث تبسة دليلاً حياً على تاريخ الجزائر الثري والمتنوع، ويجعل من استكشافها فرصة لاكتشاف العمق الحضاري لشمال إفريقيا، وزيارتها تجربة تُثري المعرفة وتُلهم كل من يبحث عن التواصل مع ذاكرة المكان.
المصدر: ويكيبيديا