بوابة عشتار.. مدخل مدينة بابل التي سرقها الألمان
شكّلت بوابة عشتار في مدينة بابل رمزاً معمارياً فريداً في الحضارة البابلية، وأحد أبرز معالم العراق القديم التي فقدت مكانها الأصلي بفعل التوسع الاستعماري والنقل القسري للآثار، حيث نقلت كاملة إلى العاصمة الألمانية برلين، وهي اليوم معروضة في متحف بيرغامون بعد تفكيكها وشحنها في صناديق من قبل بعثة ألمانية تنقيبية مطلع القرن العشرين، وتُعرض على أنها نموذج معماري للحضارة الرافدينية دون الإشارة إلى خلفية إخراجها من العراق.
شيد الملك البابلي نبوخذنصر الثاني بوابة عشتار في عام 575 قبل الميلاد، لتكون البوابة الرئيسية لمدينة بابل، وهي البوابة الثامنة للمدينة، وتتميز بارتفاع يصل إلى 13 متراً وعرض يتجاوز 30 متراً، واستخدم في بنائها الطابوق المصقول المطلي بالأزرق الكوبالت والأخضر البحري، والمزين بمنحوتات لأسود وتنانين وثيران تمثل آلهة بابل الكبرى مثل مردوخ وعشتار وأدد، وكانت البوابة مخصصة للإلهة عشتار، إلهة الحب والحرب، وجعلت بوابة الاحتفالات والمواكب الدينية التي تنتهي عند معبد مردوخ.
قاد التنقيب عنها الباحث الألماني روبرت كولدوي، الذي بدأ عمله في بابل عام 1899، واستمر حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، وتم خلال هذا التنقيب استخراج البوابة الأصلية من تحت الركام والطين، وفككت بعناية إلى قطع صغيرة، رُقّمت وشُحنت عبر صناديق ضخمة إلى ألمانيا، وتم إعادة تركيبها على مدى سنوات، وافتُتح عرضها في برلين عام 1930، بينما بقي الجزء الخلفي من البوابة الأكبر حجماً في المخازن، بسبب ضيق مساحة المتحف.
اعتُبرت بوابة عشتار عملاً معمارياً مذهلاً يوازي عجائب الدنيا، وقد رُصفت طريق الموكب المؤدي لها بطوب أحمر وأصفر عليه نقوش صلوات نبوخذنصر، ويحيط بالطريق أسوار مرتفعة مغطاة برسوم نباتية وحيوانات، لتكون مشهداً كاملاً يعكس القوة الدينية والسياسية للمدينة.
ولقد تدهورت حقوق العراق الثقافية بعد انهيار الدولة العثمانية، حيث سيطرت بريطانيا على أراضيه، وتم التفاوض مع الألمان لنقل الآثار بشكل نهائي دون العودة للحكومة العراقية.
حاول العراق في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين بناء نسخة مصغرة من البوابة داخل مجمع بابل الأثري، إلا أن المشروع لم يكتمل بسبب الحرب، وتوزعت أجزاء أخرى من البوابة الأصلية على متاحف متعددة مثل متحف إسطنبول، ومتحف اللوفر، ومتحف ميونيخ، ومتحف أونتاريو.
تبقى بوابة عشتار واحدة من أكثر الأمثلة وضوحاً على تهريب الإرث الحضاري، واستغلال المتاحف الغربية لتاريخ الشعوب، فيما لا تزال النسخة الأصلية غائبة عن الأرض التي نشأت فيها، حبيسة أجنحة العرض الأوروبية.
المصدر: عربي بوست