تتجلى بنقفور كواحدة من المستوطنات البيزنطية البارزة في ريف إدلب، وتقدم صورة حية عن ملامح الحضارة القديمة التي ازدهرت في شمال سورية، وتعد شاهداً أثرياً على العمارة والفنون التي ميّزت تلك الحقبة، وتستمر اليوم في سرد قصص المدن المنسية التي ارتبطت بتاريخ المنطقة.
انضمت بنقفور إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2011 ضمن القرى القديمة في شمال سورية، حيث جاءت لتجسد مفهوم “المدن المنسية” التي حملت مزيجاً من الثقافة والروحانية والاقتصاد، ووفرت مثالاً فريداً عن الحياة في العصور البيزنطية، وهو ما جعلها محط اهتمام الباحثين والمؤرخين والمهتمين بالتراث.
تحتوي المستوطنة على بقايا معمارية حجرية متينة، تضم منازل وكنائس صغيرة ما زالت تحتفظ بجزء من رونقها، وتشير هذه البقايا إلى المهارة التي امتلكها الحرفيون في تشييد المباني آنذاك، كما تعكس تفاصيل الحياة اليومية للسكان، وهو ما جعلها وجهة بارزة لعشاق العمارة الأثرية.
تكشف معاصر الزيتون القديمة المنتشرة بين أطلال بنقفور عن الدور المحوري للزراعة في حياة سكانها، وتؤكد على أهمية النشاط الزراعي والاقتصادي في تلك الحقبة، حيث شكل الزيت والزراعة أساساً للتبادل والتجارة، وما زالت تلك البقايا تثير فضول الزائرين والباحثين.
تبرز في مباني بنقفور أعمدة مزخرفة وأقواس متقنة الصنع، تجمع بين الطراز البيزنطي والتأثيرات الرومانية، وتدل على التفاعل الثقافي بين حضارات متعددة، وهو ما يعطي الموقع قيمة إضافية، ويجعل منه نموذجاً لدراسة التنوع الثقافي في المنطقة.
تعرضت المستوطنة لأضرار بسبب النزاعات التي شهدتها سورية في السنوات الأخيرة، وهو ما دفع الجهات المختصة وخبراء الآثار إلى تكثيف جهودهم لحماية الموقع، والعمل على ترميم ما أمكن من هياكله، للحفاظ على إرث إنساني بات معرضاً للاندثار.
يحرص السياح والباحثون على زيارة الموقع لما يقدمه من تجربة غنية، حيث يتيح لهم استكشاف تفاصيل الحياة البيزنطية، والتعرف على أسلوب المعيشة والتنظيم الاجتماعي، إضافة إلى الاستمتاع بالطبيعة المحيطة التي تمنح المشهد بعداً جمالياً يكمل القيمة الأثرية.
تجمع بنقفور بين التاريخ والطبيعة في مشهد واحد، إذ تحيط بها مناظر ريفية خلابة توفر إطلالات واسعة، وتجعل الزيارة تجربة مميزة تعكس التوازن بين الإرث الثقافي والجمال الطبيعي، وهو ما يمنحها مكانة خاصة بين مواقع التراث العالمي.
تستمر بنقفور في تقديم شهادتها على عظمة الإنسان وقدرته على البناء والتطوير، وتؤكد على أهمية حماية التراث المشترك للبشرية، فهي ليست مجرد أطلال قديمة بل قصة ممتدة تعبر عن تفاعل حضارات وصمود ذاكرة تاريخية تستحق البقاء للأجيال القادمة.
المصدر: ويكيبيديا