الأربعاء 1447/03/11هـ (03-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » المعالم التاريخية » بلدة العطف التاريخية تجسد ذاكرة وادي مزاب العريق

بلدة العطف التاريخية تجسد ذاكرة وادي مزاب العريق

يُعدّ العطف، أو كما تُعرف محليًا بتاجنينت، واحدة من أعرق البلدات التاريخية في الجنوب الجزائري، حيث تقع ضمن ولاية غرداية في قلب وادي مزاب الذي يشكل علامة بارزة في التاريخ العمراني والثقافي لشمال إفريقيا.

تأسست هذه البلدة في القرن الحادي عشر الميلادي على يد الأمازيغ الإباضيين، المعروفين باسم بني ميزاب، لتكون أولى الحلقات في سلسلة القرى التي ازدهرت في هذه المنطقة الصحراوية الفريدة.

وتحمل البلدة إرثًا معماريًا متميزًا، إذ يجمع قصر العطف بين البساطة والتكيف مع البيئة الصحراوية القاسية، حيث شُيدت بيوتها من مواد محلية تراعي المناخ، وتنتظم أزقتها الضيقة بشكل يعكس رؤية عمرانية متكاملة تقوم على حماية السكان من الحرارة والرياح، مع الحفاظ على روح المجتمع الجماعي، هذا النمط المعماري جعلها نموذجًا ملهِمًا للمدن المستدامة قبل قرون طويلة من ظهور المفهوم الحديث للاستدامة.

ويكتسب قصر العطف مكانة خاصة داخل وادي مزاب، إذ يُعدّ النواة الأولى التي انطلقت منها حركة العمران الميزابي، ما جعله شاهدًا على بدايات التجمعات السكانية المنظمة في المنطقة، هذا القصر يمثل بالنسبة للباحثين والمهتمين بالتاريخ تجربة فريدة لفهم كيفية تعايش الإنسان مع البيئة الصحراوية عبر أنماط مبتكرة في البناء والتخطيط.

تعرف على قصر العطف أول قصور وادي مزاب - تحواس براس

كما تتميز البلدة بارتباطها الوثيق بالهوية الإباضية، حيث كان تأسيسها مرتبطًا برغبة الأمازيغ الإباضيين في بناء مجتمع يقوم على مبادئ التنظيم الاجتماعي والديني المتماسك، وهو ما انعكس على شكلها العمراني ومؤسساتها التقليدية، فالمساجد والمدارس والفضاءات العامة لم تكن مجرد مبانٍ دينية أو تعليمية، بل مثلت نسيجًا يجمع بين العقيدة والعيش المشترك، ما منح البلدة روحًا متفردة تستمر حتى اليوم.

وحظيت العطف باعتراف عالمي حين أدرجت منظمة اليونسكو قصرها ضمن قائمة التراث العالمي عام 1982، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من وادي مزاب، الذي يضم مجموعة من القصور والبلدات التاريخية ذات القيمة الإنسانية والبيئية الكبرى، هذا الإدراج لم يكن مجرد تكريم رمزي، بل اعتراف بمكانة البلدة كإحدى العلامات البارزة في مسار التراث العمراني للجزائر والعالم.

وتعكس العطف اليوم مزيجًا حيًا بين الماضي والحاضر، فهي ليست مجرد أطلال تاريخية، بل بلدة تنبض بالحياة، يسكنها أهلها ويحافظون على تقاليدهم، في الوقت الذي تستقطب فيه الباحثين والسياح الراغبين في استكشاف أسرار وادي مزاب، وبين أزقتها القديمة ومبانيها المتناسقة، يجد الزائر صورة ناطقة عن قدرة الإنسان على تحويل البيئة القاسية إلى فضاء للعيش المشترك والإبداع الإنساني.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار