بنيت بغداد لتكون عاصمة العباسيين في القرن الثامن الميلادي، حيث اختار الخليفة أبو جعفر المنصور موقعها على ضفاف نهر دجلة، لتصبح بعد ذلك مركزًا حضاريًا وثقافيًا بارزًا في العالم الإسلامي، فقد اجتمع فيها العلماء من مختلف التخصصات، وتوافد إليها طلاب العلم من كل مكان، وأصبحت ملتقى للحضارات ومخزنًا للمعرفة التي انتقلت عبرها إلى بقية أنحاء العالم، وظلت على مدى قرون طويلة عاصمة للثقافة والفكر والإدارة.
تميزت بغداد بتخطيطها العمراني الفريد في بداياتها، إذ أنشئت على شكل مدينة دائرية محصنة بأسوار وخنادق، وتوزعت فيها القصور والمساجد والأسواق، مما جعلها نموذجًا متقدمًا للتنظيم الحضري في ذلك العصر.
ومع مرور الوقت توسعت المدينة وازدهرت تجارتها وصناعاتها، وأصبحت محطة رئيسية في طرق القوافل التجارية بين المشرق والمغرب، وكان لنهر دجلة دور مهم في نموها حيث وفر لها المياه وطرق النقل والتجارة.
ازدهرت المؤسسات العلمية في بغداد بشكل غير مسبوق، إذ أسس فيها بيت الحكمة الذي كان مركزًا للترجمة والبحث، حيث نقل العلماء فيه علوم اليونان والفرس والهنود إلى اللغة العربية، وأضافوا إليها إسهامات جديدة في الطب والفلك والرياضيات والفلسفة، وكان لهذا الدور أثر بارز في النهضة العلمية التي شهدها العالم الإسلامي، كما كانت المكتبات والمدارس والمجالس العلمية جزءًا من الحياة اليومية في المدينة، مما رسخ مكانتها كعاصمة للعلم والمعرفة.
تعرضت بغداد عبر تاريخها إلى محن كبرى أثرت على ملامحها، أبرزها الغزو المغولي عام 1258 الذي دمر الكثير من معالمها وأدى إلى تراجع دورها لقرون، لكنها استعادت جزءًا من مكانتها في فترات لاحقة، واستمرت مركزًا مهمًا للسياسة والاقتصاد والثقافة في المنطقة، وتوالت عليها فترات حكم مختلفة تركت بصماتها على عمرانها ومجتمعها، وظلت رغم الصعاب مدينة نابضة بالحياة تحمل إرثًا حضاريًا متنوعًا.
تعمل اليوم جهات محلية ودولية على توثيق ملامح بغداد التاريخية وحمايتها، إذ أدرجت الملامح التاريخية لنهر دجلة في رصافة بغداد ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، وتشمل هذه المنطقة المعالم الممتدة من المدرسة المستنصرية وحتى القصر العباسي، حيث تسعى الجهود إلى الحفاظ على هذه الشواهد التي تعكس العمق التاريخي للعاصمة العراقية، كما تسعى السلطات العراقية إلى إبراز هذه المواقع كجزء من التراث العالمي لتعزيز قيمتها الثقافية والسياحية.
تؤكد بغداد حتى اليوم مكانتها كمدينة ضاربة بجذورها في التاريخ، فهي ليست مجرد عاصمة سياسية بل سجل حي للتاريخ الإسلامي والعالمي، ومجموعة من الطبقات المتعاقبة التي تجسد فترات الازدهار والانكسار، ومع تواصل الجهود لحمايتها وإبراز معالمها، تبقى المدينة رمزًا للصمود والإرث الإنساني العريق.
المصدر: ويكيبيديا