يمثل فن أهليل قورارة أحد أبرز الرموز التراثية التي تعبّر عن عمق الهوية الثقافية في الجنوب الجزائري، حيث يجمع بين عناصر الشعر والإنشاد والرقص والموسيقى، ويُقام في مناسبات دينية واجتماعية تشهدها منطقة قورارة الواقعة في ولاية أدرار، وقد تم إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونسكو منذ عام 2008، ما يعكس أهميته التاريخية والفنية داخل المجتمع المحلي.
يجسّد أهليل قورارة تنوعًا فنيًا متكاملاً، إذ يعتمد في بنيته الموسيقية على تعدد النغمات والإيقاعات، وتواكب الأداء حركات جسدية منسجمة تصدر عن المشاركين رجالًا ونساءً، حيث يتم ترديد نفس الكلمات بطريقة جماعية تصاحبها التصفيقات وإيقاعات الطبول، ما يمنح الطقس الفني طابعًا احتفاليًا يجذب الانتباه ويثير الحماسة بين الحضور.
يرتكز هذا الفن على الموروث الشعري المحلي، إذ تتنوع القصائد التي تُردد في العروض بين الغزل والمدح والمراثي، ويُستعان أحيانًا بآلات موسيقية بسيطة مثل الناي والطبل، بينما تُبرز الحركات التعبيرية المتناغمة مع الألحان البعد الرمزي للحوار بين الجسد والصوت، وتُعد هذه الخصائص من أهم ملامح الأصالة في هذا النمط الغنائي الذي يمتد جذره لقرون في عمق الصحراء.
ينشط أهليل قورارة في سياقات متعددة تشمل حفلات الزواج، والاحتفال بالمولد النبوي، وزيارات مقامات الأولياء الصالحين، حيث يتحول العرض إلى مساحة روحية يتداخل فيها الفن بالدين، ويُكرّس من خلاله المجتمع قيم التآزر والانتماء، ويُعزز التواصل بين الأجيال التي تشارك في ترديد الأهازيج ونقلها شفهيًا من جيل إلى آخر دون الاعتماد على التوثيق المكتوب.
يواجه هذا الفن عدة تحديات تهدد استمراريته، من بينها قلة المناسبات التي يُعرض خلالها، وانصراف فئة من الشباب عن المشاركة المباشرة في الأداء بسبب الانتقال إلى المدن وتغيّر نمط الحياة، إضافة إلى هيمنة وسائل الإعلام الحديثة التي تقدم الفنون بشكل مُعلب يسهل استهلاكه دون التفاعل معه، ما يتطلب بذل جهود مؤسسية ومدنية للحفاظ على هذا الموروث.
تعتمد حماية أهليل قورارة على مبادرات محلية لتدريب الشباب على تقنيات الأداء، وتوثيق النصوص الشعرية والموسيقية الخاصة به، وتنظيم مهرجانات دورية في ولاية أدرار والمدن المجاورة لإعادة إحياء هذا الفن في وجدان المجتمع، كما يتطلب الأمر إدماج هذا التراث ضمن المناهج التعليمية والأنشطة المدرسية لتعميق فهم النشء له.
يُعد أهليل قورارة من الفنون التي تمنح الثقافة الجزائرية بعدًا إنسانيًا وجماليًا، فهو ليس مجرد طقس احتفالي، بل سجل حي يحمل الذاكرة الجماعية، ويعكس القيم الروحية للمجتمع، ويُشكل رابطًا مستمرًا بين الماضي والحاضر، ولذلك فإن الحفاظ عليه يُمثل مسؤولية ثقافية تستوجب تعاون الدولة والمجتمع لإبقاء هذا الفن حيًا ومؤثرًا في الأجيال القادمة.