الثلاثاء 1447/07/03هـ (23-12-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » غير مادي » المهارات الحرفية التقليدية » النحاسيات.. فن الطرق والنقش يزين تراث الحرفيين في الشام ومصر والمغرب العربي

النحاسيات.. فن الطرق والنقش يزين تراث الحرفيين في الشام ومصر والمغرب العربي

تُعد صناعة النحاسيات والطرق عليها، فناً صناعياً وتراثياً عريقاً، يشكل عنصراً مهماً في التراث الصناعي للعديد من الدول العربية، حيث كانت الأواني والأدوات النحاسية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية والمراسم الاحتفالية.

اِزدهرت هذه الحرفة بشكل خاص في مدن المشرق والمغرب العربي، فاشتهرت بها دمشق وحلب والقاهرة وفاس ومراكش وبغداد، وكل منها وضع بصمته الفنية المميزة على القطع النحاسية.

تتجسد براعة هذه الحرفة في قدرة الحرفي على تحويل صفائح النحاس الخام إلى تحف فنية وعملية، باستخدام مطرقة بسيطة ومجموعة من الأزاميل الدقيقة.

تتضمن صناعة النحاسيات مهارات رئيسية متوارثة، أهمها فن “الطرق” و”النقش” و”التخريم” على الصفائح المعدنية، فكل مرحلة تتطلب إتقاناً ودقة بالغين، يبدأ العمل بتسخين النحاس لجعله أكثر ليونة، ثم يقوم الحرفي بتشكيل الوعاء بالشكل المطلوب عن طريق الطرق المستمر بالمطرقة، حتى يأخذ الشكل الهندسي المطلوب كالصواني أو الأباريق أو المباخر

وتأتي مرحلة النقش والتزيين، حيث يستخدم الحرفي أزاميل دقيقة جداً لحفر الزخارف الهندسية، والنباتية، والخطوط العربية الجميلة على سطح النحاس، مما يمنح القطعة هويتها الفنية.

النقش على النحاس.. مهنة تقاوم الاندثار - زهرة الخليج

تميزت المدن العربية في هذا الفن بأساليب مختلفة؛ ففي دمشق وحلب اشتهر النحاس الأصفر (الصفر) المطروق والمنقوش، وازدهر فيها فن “التكفيت” الذي يطعم النحاس بخيوط الفضة والذهب، مما ينتج أواني فاخرة ذات قيمة عالية.

في مصر، وتحديداً في القاهرة، اشتهر استخدام النحاس الأحمر في صناعة الأواني الكبيرة والأدوات المنزلية، وكانت النقوش تميل إلى الزخارف الهندسية والكتابات الكوفية.

أما في دول المغرب العربي، كالمغرب وتونس، فغلب استخدام النحاس الأحمر والأصفر في صناعة الصواني والمصابيح، وتميزت النقوش بالزخارف الأندلسية والمغربية المعقدة.

لعبت النحاسيات دوراً اقتصادياً واجتماعياً هاماً، حيث كانت تستخدم في تخزين الأطعمة والمياه، وتقديم الضيافة في المناسبات، وتزيين البيوت والدواوين بأشكالها الفنية.

يُشار إلى أن أسواق “النحاسين” أو “سوق النحاس” في المدن القديمة كانت تمثل مراكز حيوية لهذه الصناعة، حيث تتجمع ورش الحرفيين جنباً إلى جنب مع محلات البيع، فكانت تنتشر فيها رائحة الطرق والبارود المعدني.

يُحافظ على هذه الصناعة التقليدية اليوم من خلال جذب السياح والمهتمين إلى هذه الأسواق، وشراء القطع التي لا تزال تُصنع بنفس الطرق اليدوية القديمة.

تُعد النحاسيات القديمة اليوم قطعاً أثرية وفنية نادرة، تُعرض في المتاحف العالمية كشاهد على براعة الحرفي العربي في التعامل مع المعادن وتطويعها لإنتاج الجمال.

يواجه هذا التراث تحدي المنافسة الشرسة من المنتجات الصناعية الحديثة، مما يهدد بانحسار عدد الحرفيين المهرة الذين يتقنون أسرار الطرق والنقش.

تُبذل جهود للحفاظ على مهارات الطرق على النحاس كجزء من التراث الحي، وذلك لضمان استمرار هذا الفن الذي يجسد جزءاً مهماً من الهوية الصناعية والفنية للمنطقة.

المصدر: ويكيبيايد

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار