الأثنين 1447/02/24هـ (18-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » فلسطين » مرئي » المعالم التاريخية » المقلوبة سلاح مقاومة ناعم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي

المقلوبة سلاح مقاومة ناعم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي

تحول طبق المقلوبة الفلسطيني إلى أكثر من مجرد وجبة تقليدية على موائد المقدسيين، بعدما بات يُستخدم كوسيلة مقاومة غير مسلحة تحمل رمزية تاريخية ودينية واجتماعية عميقة، خاصة في محيط المسجد الأقصى.

ارتبط هذا الطبق بالرباط والوجود الفلسطيني في المدينة المحتلة، وتجاوز كونه طعامًا إلى فعل مقاومة يعبّر عن التمسك بالمكان رغم إجراءات الإبعاد والمنع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.

بدأت قصة المقلوبة في الرواية الشعبية حين استقبل المقدسيون القائد صلاح الدين الأيوبي بعد تحريره القدس، بطبق أطلقوا عليه “الباذنجانية”، أعجب بمظهره عندما قُدم له مقلوبًا، ومن هنا جاءت التسمية.

لا توجد مصادر تاريخية دقيقة تؤكد هذه الرواية، لكنها منتشرة في الذاكرة الشعبية، ويشير باحثون إلى أن المقلوبة وجدت منذ العهد الأموي والعباسي، ما يؤكد قدم هذا الطبق الفلسطيني الذي ارتبط بالأرز ومكونات محلية أخرى مثل الباذنجان أو القرنبيط والدجاج أو اللحم.

خلال العقود الأخيرة، وخاصة في رمضان، أصبحت المقلوبة رمزًا ثابتًا على موائد المقدسيين وقاصدي المسجد الأقصى، كانت تظهر بشكل متكرر في إفطارات المرابطين والمبعدين عن المسجد، لتصبح جزءًا من طقوس الرباط الشعبي، خاصة عند النساء المبعدات اللواتي نقلن معركة الدفاع عن الأقصى إلى أبوابه من خلال الطهي الجماعي وتوزيع الطعام.

من أبرز من استخدمن المقلوبة لهذا الغرض هنادي الحلواني وخديجة خويص، المبعدتان عن الأقصى منذ عام 2015، واللتان قامتا بتحويل فعل “قلب المقلوبة” إلى رسالة صمود وتحدٍ مباشر للاحتلال.

وتقول الحلواني إنها تطهو المقلوبة بنية مراغمة المحتل، وتضع فيها توابل الصمود والثبات، مشيرة إلى أن الاحتلال أبعدها عن المسجد لكنها بقيت حاضرة فيه من خلال الطعام والرسائل الرمزية التي توصلها هذه الأكلة.

لم يكن الاحتلال غافلًا عن هذه الدلالات، فقد منع عدة مرات إدخال طناجر المقلوبة إلى المسجد الأقصى، وحقق مع المبعدات بتهمة استخدام الطعام وسيلة للتحريض والحشد.

ورغم ذلك، واصلت النساء طهي المقلوبة أسبوعيًا لإفطار الصائمين، والمشاركة في معركة الوعي والتواجد،كما استخدمن الطبق في دعم المبادرات الاجتماعية والدينية المرتبطة بالأقصى، وأوصلن صوته إلى الخارج، حيث قلبنه في فعاليات جماهيرية بعدة دول مثل تركيا، إندونيسيا، البحرين، والأردن.

ترى خديجة خويص أن المقلوبة ليست مجرد طبخة بل “قلب للطاولة على المحتل”، وهي تُقدَّم في إطار اجتماعي جماعي يعكس تلاحم المجتمع الفلسطيني حول رمزية القدس والأقصى، واختارت النساء هذا الطبق تحديدًا لما فيه من رمزية قلب الشكل والمضمون، وقدرته على تجميع الناس حول مائدة واحدة.

تحولت المقلوبة إلى “طبخة النصر” في التعبير المقدسي، وأصبح إعدادها وتوزيعها داخل أو قرب المسجد الأقصى فعلًا يوميًا يتحدى إجراءات الاحتلال ويؤكد استمرار التعلق بالمكان، لم يقتصر استخدامها على رمضان بل امتد إلى صيام النوافل والمناسبات الدينية، مما عزز من رمزية المقلوبة في الوعي المقدسي المقاوم.

المصدر: الجزيرة نت

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار