الثلاثاء 1447/04/22هـ (14-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » المملكة العربية السعودية » مرئي » الآثار » المصمك.. قصر في قلب الصحراء يحرس ذاكرة ملوك السعودية ويشهد على صرخة بداية توحيد المملكة

المصمك.. قصر في قلب الصحراء يحرس ذاكرة ملوك السعودية ويشهد على صرخة بداية توحيد المملكة

يَقف قصر المصمك شامخاً في قلب الرياض القديمة، مرادفاً تاريخياً لرحلة توحيد المملكة العربية السعودية، حيث انطلقت من أسواره أولى خطوات الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ورجاله المخلصين لتأسيس الدولة.

أضاف هذا الارتباط الوثيق بمسيرة التوحيد قيمة سياسية واجتماعية كبرى لمكانة القصر التاريخية، وقد تضاعف الاهتمام الرسمي به، لاسيما من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، منذ أن كان أميراً للرياض.

تَعاظم دور المصمك كرمز وطني، إذ يحرص الأهالي على زيارته والاحتفال فيه خلال المناسبات الوطنية الكبرى، مما رسّخ مكانته كشاهد حي على التاريخ المجيد.

انطلقت من أبواب “المصمك” وعبر أرضه الصلبة رحلة الملك المؤسس لتوحيد البلاد، وبناء مسيرة متواصلة من الوحدة والاستقرار، امتدت لعقود حافلة بالتنمية والتطوير في كل أرجاء المملكة.

قصر المصمك التاريخي في قلب الرياض القديمة

أَكمل هذه المسيرة من بعده أبناؤه الملوك البررة، وصولاً إلى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.

تَعود قصة تشييد قصر المصمك إلى عهد الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود، الذي بدأ في بنائه عام 1282هـ الموافق 1865م، ليكون الحصن الكبير لمدينة الرياض آنذاك.

أُطلق على القصر لقب “المصمك” نسبةً لمواصفات بنائه شديدة السمك وارتفاع جدرانه، وفق ما وثقته دارة الملك عبدالعزيز، ليظل صرحاً شامخاً لأكثر من 150 عاماً.

يَتربع المصمك وسط الرياض القديمة، التي كانت تقطعها ممرات مهمة وتحيط بها أسوار طينية بارتفاع 20 قدماً، وتتخللها تسع بوابات شهيرة منها الثميري والسويلم ودخنة والمذبح.

يَبرز المصمك ببنائه الطيني العتيق وسط التطور العمراني الحديث والطرق المعبّدة التي تجاوره، وتضيء أركانه وجدرانه إضاءات بلون الذهب، عاكسةً هيبته التاريخية.

وَصف المعماري البريطاني المعروف كريستوفر ألكسندر القصر بأنه “الغموض الممتع”، الذي يحفز المشاهد على التأمل والمحاولة لاكتشاف أسراره الكامنة.

جَمَع المصمك في تصميمه بين كونه صرحاً معمارياً عريقاً وتكوين العمارة التقليدية السعودية الأصيلة، حيث بُني من اللبن والطين الممزوج بالقش، فيما اعتمد الأساس على الحجارة.

كُسيت جدرانه الخارجية والداخلية بطبقة من لياسة الطين، بينما كُسيت أعمدته ومداخل أبوابه بطبقة من الجص، واستُخدمت جذوع شجر الأثل والجريد وسعف النخل في تغطية أسقفه.

سُجّيفت الأسقف بطبقة من الطين، ليُبرز هذا الموروث المعماري أهمية “المصمك” كحصن دفاعي متين من جهة، ووسيلة لترسيخ الهوية السعودية وتأصيلها من جهة أخرى.

بَرَزت عناية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بقصر المصمك والمواقع التاريخية، منذ أن كان أميراً للرياض لأكثر من خمسة عقود متتالية.

حَرَص الملك سلمان على زيارته وتفقده والتجول في أرجائه باستمرار، مشدداً على قيمته الكبيرة كأحد أبرز المعالم السياسية والتاريخية والاجتماعية للمملكة.

أَكد الملك سلمان خلال زيارة لمتحف المصمك التاريخي عام 2012م، واطلاعه على العروض المتحفية، أن التوحيد بدأ من هذا المكان، على يد الملك عبدالعزيز ورجاله الذين لم يتجاوز عددهم الـ63 فرداً.

قامت أمانة مدينة الرياض بوضع خطة ترميم شاملة للحصن عام 1399هـ، وأُجريت له إصلاحات عامة من الداخل والخارج اكتملت أعمالها في عام 1403هـ.

صَدرت توجيهات سامية بتسليمه إلى الإدارة العامة للآثار والمتاحف بعد إتمام الترميم، تبعها توجيهات من الملك سلمان بن عبدالعزيز، حين كان أميراً للرياض، بتحويله إلى متحف متخصص عن مراحل توحيد وتأسيس المملكة.

اُفتتح المتحف على يد الملك سلمان في 13 محرم عام 1416هـ، ليصبح وجهة ثقافية رئيسية، تحفظ الذاكرة الوطنية وتتيح للزوار التفاعل مع التاريخ.

تَتفرد بوابته الخشبية الرئيسة، الواقعة في الجهة الغربية، بارتفاعها الذي يصل إلى 3.6 متر وعرضها 2.65 متر، وسمكها البالغ 10 سنتيمترات.

يوجد على البوابة ثلاث عوارض يصل سمك الواحدة منها نحو 25 سنتيمتراً، وفي وسطها فتحة ضيقة تُعرف بـ “الخوخة”، وهي ممر صغير يستخدم للدخول.

يَلفت نظر الزائر بعد عبور البوابة، “المسجد” في الجهة اليسرى، الذي يحتوي على أعمدة طينية سميكة، وأرفف متعددة للمصاحف، ومحراب مجصص وفتحات للتهوية في السقف والجدران.

تَتميز “الديوانية” التي تقع في مدخله الغربي بغرفتها المستطيلة، التي تضم في زاويتها ما يُسمى بالوجار، وهو مكان مخصص لإعداد القهوة السعودية الأصيلة.

يَخترق الهواء جهتها الغربية والجنوبية عبر فتحات مصممة للتهوية والإنارة، فيما يتوسط فناء القصر من الجهة الشمالية الشرقية “البئر” التي كانت تمد أرجاء “المصمك” بالمياه اللازمة للشرب.

زُود المصمك بأربعة أبراج مخروطية الشكل، يبلغ ارتفاع الواحد منها 14 متراً، وفي الوسط يوجد برج أعلى يُسمى “المربعة” بارتفاع 18 متراً يطل على القصر من خلال شرفته العليا.

يحتوي القصر على فناء رئيس تحيط به غرف ذات أعمدة متصلة، ويضم الفناء درجاً يؤدي إلى الدور الأول والسطح، علاوة على ثلاث وحدات سكنية استخدمت لإقامة الحاكم، وبيتاً للمال، ومكاناً لإقامة الضيوف.

شَملت أعمال تطويره الحديثة خطة لتطوير العروض المتحفية، لترتفع أجنحة “المصمك” من خمسة إلى عشرة أجنحة تحتوي على أكثر من 17 قاعة متخصصة.

تَحكي القاعات تاريخ الفناء وزمن استرداد الرياض، واقتحام “المصمك”، والرواد، والرياض القديمة، واستخدامات المصمك، إضافة لقصة توحيد المملكة وإنجازات الملك عبدالعزيز، مدعومة بالصور والمجسمات والأفلام التوضيحية.

أُنشئت ضمن خطة الأعمال محطة لزيادة الطاقة الكهربائية بالقصر، واستُخدمت أساليب إضاءة حديثة داخل قاعاته وغرفه، وتم تكييف المبنى وفق أرقى أنظمة التكييف المخفية.

رُكبت مظلات في بعض مساحاته لحجب الشمس والغبار عن الزائرين، وشاشات عرض تلفزيونية في بعض القاعات والأبراج، وتم تأثيث الديوانية وتجهيز قاعة لاستقبال كبار الزوار.

أُعيد تأهيل الأفنية الداخلية، مثل فناء البئر، بشكل جديد مع الحفاظ على معالمه التاريخية القديمة، ووُضع مدفع قديم في مدخل الفناء وبعض الأحواض الحجرية.

عُولجت بعض الأسقف الخشبية، وتم تحسين تصريف مياه الأمطار، واستُبدلت المزاريب المكسورة، ووُضع متجر لبيع الهدايا التذكارية للزوار، ومقهى لتناول القهوة والمأكولات الشعبية السعودية.

المصدر: أخبار 24

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار