الخميس 1447/02/27هـ (21-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مرئي » المعالم التاريخية » المدرّج الروماني بالجم يحتفظ بمكانته في ذاكرة تونس التاريخية

المدرّج الروماني بالجم يحتفظ بمكانته في ذاكرة تونس التاريخية

يُجسد مدرّج الجم، المعروف تاريخيًا باسم مدرّج تيسدروس، أحد أبرز الشواهد المعمارية المتبقية من الحقبة الرومانية في تونس، حيث يعكس دقة التصميم الهندسي وقوة البناء التي ميزت تلك الحضارة.

ويعود تاريخ بناء هذا الصرح المعماري الكبير إلى الفترة الممتدة بين عامي 238 و250 ميلادية، ويُعتقد أن إنشاؤه تم بفضل هبة قدمها الإمبراطور غورديان الثالث إلى المدينة وسكانها، تقديرًا لمبايعتهم لجده إمبراطورًا على روما، مما جعل منه أحد أحدث المدرجات التي شُيدت في العالم الروماني.

يتميز مدرّج الجم بشكله البيضاوي الذي يُقسم إلى قطاعات متناظرة وفقًا للمحاور الرئيسية، ويضم مزيجًا متناسقًا من الأعمدة والأقواس التي تسند الأروقة والسلالم والمدارج العلوية، مما يجسد تطور الهندسة الرومانية وقدرتها على الدمج بين الجمال والقوة.

وتحتضن أرضية الحلبة منشآت تحتية مخصصة لإيواء الوحوش التي كانت تُستخدم في العروض، وتشمل هذه المنشآت فتحات تهوية وإنارة، إلى جانب ممرات ومنصات تُستخدم لرفع أقفاص الحيوانات إلى سطح الحلبة باستخدام آليات من الحبال والخشب.

ويُلفت المبنى الأنظار بضخامته من الخارج، حيث يتكون من ثلاث واجهات مبنية بالحجر المصقول، يحتوي كل منها على أربعة وستين قوسًا تفصلها أعمدة نصف اسطوانية، بينما تتيح المداخل الجانبية الوصول إلى الرواقين السفليين عبر سلالم تؤدي إلى ممرات متعامدة ترتبط بالبنية الرئيسية والإسطبلات.

وتم إدراج هذا المعلم في قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ أكتوبر 1979، لما يحمله من قيمة أثرية ومعمارية تعكس تأثير مدرّج الكولوسيوم في روما الذي تم استلهام تصميمه منه.

ويُعد مدرّج الجم ثالث أو رابع أكبر مدرج روماني في العالم من حيث الحجم، بأبعاد تصل إلى 147.9 مترًا في الطول و122.2 مترًا في العرض، بينما تبلغ مساحة الحلبة 64 × 39 مترًا، ويصل ارتفاع المبنى إلى 36 مترًا، فيما يبلغ محيطه 427 مترًا، وتتراوح قدرته الاستيعابية بين 27 و30 ألف متفرج، وهو ما يضعه في مصاف أهم المعالم التاريخية المفتوحة أمام الجمهور.

وقد جذب المدرّج في العصور الوسطى اهتمام المؤرخين العرب الذين وصفوه بأنه “من عجائب الدنيا”، كما أثار إعجاب الرحالة الأوروبيين الذين رأوا فيه “رمزًا لإفريقيا الرومانية”، أما من حيث دوره التاريخي، فقد استُخدم في عدة فترات كحصن عسكري، حيث تحصن به جيش جرجير بعد دخول البيزنطيين إلى تونس سنة 534 ميلادية، ثم استُخدم بعد ذلك من قبل القائدة الأمازيغية الكاهنة، التي حولته إلى قاعدة استراتيجية، كما يشير المؤرخ البكري إلى أنها حفرت نفقًا يؤدي إلى مدينة سلكتوم الساحلية.

وشهد المدرّج عدة حملات قصف خلال القرون الماضية، أبرزها في عهد محمد باي المرادي عام 1695، وأحمد باي في عام 1850، بعدما اتخذه السكان المحليون حصنًا ومأوى خلال فترات النزاع، ما أدى إلى تدمير أجزاء من جدرانه.

ويواصل المدرّج اليوم أداء دور ثقافي مهم، حيث يستضيف سنويًا فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية، ويُعد من أكثر المعالم التاريخية زيارة في تونس إلى جانب متحف باردو ومنتزه قرطاج الأثري.

المصدر: وزارة الشئون الثقافية التونسية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار