تُشكل المدرسة الرشيدية العسكرية في بغداد معلمًا أثريًا بارزًا يعكس الإرث التعليمي والعسكري للعهد العثماني، إذ تأسست عام 1879 في عهد الدولة العثمانية، وكانت تهدف لإعداد الشباب العراقي للالتحاق بالكلية العسكرية في إسطنبول، وتقع بالقرب من شارع المتنبي الثقافي، ما يعزز قيمتها المعمارية والتاريخية ضمن الملامح التاريخية لنهر دجلة المدرجة على القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو.
أسس المدرسة الوالي عبد الرحمن باشا بعد أن بدأت فكرتها في عهد مدحت باشا، وشكلت نقلة نوعية في التعليم العسكري بالعراق، فقد ركزت على إعداد كوادر عسكرية مدربة، كما أسهمت في تحديث النظام التعليمي، حيث درّس الطلاب اللغات التركية والعربية والفرنسية، وشملت المناهج التاريخ والجغرافيا والحساب، مع إضافة صف تمهيدي لتعليم اللغة التركية للطلاب غير الناطقين بها، وهو ما عزز فرص الالتحاق بالتعليم العسكري المتقدم في إسطنبول.
ساهمت المدرسة الرشيدية في مكافحة الأمية وتعزيز التعليم الحديث في العراق، إذ وفرت نموذجًا منهجيًا متقدمًا يواكب التطورات الغربية آنذاك، وامتدت أثرها ليشمل المجتمع المحلي من خلال تعزيز الانضباط والمعرفة، كما ساهمت في بناء جيل متعلم قادر على المشاركة في الحياة العسكرية والمدنية، وهو ما أكسبها دورًا مؤثرًا في المشهد الثقافي المحلي، وجعلها معلمًا تاريخيًا يجسد طموحات بغداد للتحديث في ذلك العصر.
تُعد المدرسة جزءًا من التراث المعماري للعراق، فقد صمدت عبر الزمن لتروي قصة تطور التعليم العسكري والمدني في العاصمة، وقد استقطبت الشباب الطامحين إلى التعليم العسكري، حيث قدمت لهم تعليمًا منهجيًا متقدمًا، وعززت لديهم مهارات الانضباط والمعرفة، وهو ما يجعلها رمزًا للصمود الثقافي وجذبًا للباحثين وعشاق التاريخ والتراث، كما تعكس المدرسة مستوى التخطيط الحضري والمعماري الذي ساد بغداد في العهد العثماني.
تُبرز المدرسة الرشيدية اليوم أهمية التعليم في بناء الأمم، إذ تربط بين الماضي والحاضر، وتلهم الأجيال الجديدة بمثال عن التفاني في التعليم وتنمية المهارات، كما تظل وجهة سياحية وثقافية، تعكس روح العصر العثماني في بغداد، وتحكي قصص التطور الاجتماعي والعلمي للمدينة، وتؤكد على مكانة بغداد كحاضنة للحضارة والمعرفة على مر العصور.
تُجسد المدرسة الرشيدية إرثًا تعليميًا وثقافيًا متكاملاً، وتظل شاهدة على التطور الحضاري لبغداد، كما تمثل رمزًا للتراث العثماني والابتكار في التعليم العسكري، وهي تواصل جذب الباحثين والزوار الذين يرغبون في التعرف على التاريخ التعليمي والعسكري للعاصمة، بما يجعلها عنصرًا مهمًا ضمن التراث الثقافي والمعماري للعراق، ويحافظ على هويتها التاريخية.
المصدر: ترك برس