تجسد المبكبكة ذاكرة الناس ودفء اللقاءات بين الأجيال وتختزن في نكهتها تاريخًا طويلًا من البدايات البسيطة في البيوت الليبية القديمة، فقد بدأت كوجبة تصنع في الأرياف من مكونات متاحة، ثم أصبحت جزءًا من المائدة اليومية في المدن والقرى، وامتدت شهرتها إلى دول أخرى مثل مصر ودول الخليج، حتى غدت طبقًا مألوفًا يعبر عن بساطة المذاق وقيمة المشاركة في الطعام.
تُعرف المبكبكة في ليبيا باسم “المكرونة الجارية”، ويشير الاسم إلى طريقة طهيها التي تجمع بين المكرونة والصلصة واللحم في قدر واحد على النار حتى تمتزج المكونات جميعها، ويظهر هذا الأسلوب في الطهو بساطة المطبخ الليبي وقدرته على خلق نكهة قوية من مكونات محدودة، ما جعلها وصفة تتوارثها الأسر جيلاً بعد جيل دون أن تفقد طابعها الأصيل أو روحها الشعبية.

ارتبطت المبكبكة بالمناسبات الاجتماعية والعائلية، فكانت تُطهى في التجمعات الكبيرة أو عند استقبال الضيوف، وغالبًا ما يُشارك الجميع في إعدادها مما يعكس قيمة التعاون في المطبخ الليبي، إذ يتولى البعض تحضير المكونات بينما يشعل آخرون النار تحت القدر الكبير، فتتحول لحظة الطهي نفسها إلى فعل اجتماعي يجمع الأهل والجيران في أجواء من الدفء والمودة.
أصبحت المبكبكة رمزًا للمائدة الليبية التي تمزج بين النكهة والبساطة، وهي وجبة تروي حكاية مجتمعٍ يحتفي بالجمع أكثر من الفرد، إذ لا تُؤكل عادة على عجل أو بمفردك، بل في دوائر من الضحك والحديث، وتبقى رائحتها التي تملأ البيوت وقت الطهي علامة على أن أحدهم قرر أن يجمع الناس حول قدر واحد ليشاركهم وجبة ومشاعر في آن واحد.
انتقال المبكبكة إلى بلدان أخرى لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة التبادل الثقافي بين الشعوب العربية، فمع سفر الليبيين للعمل أو الدراسة حملوا معهم طريقتهم الخاصة في إعدادها، ومع الوقت بدأت تظهر تعديلات بسيطة عليها في مصر ودول الخليج لتناسب الأذواق المختلفة، لكن جوهرها ظل كما هو، يجمع بين حرارة الفلفل وصلصة الطماطم الكثيفة وكرم المائدة المفتوحة.
تُمثل المبكبكة اليوم أكثر من مجرد وصفة، فهي سجل حي لذاكرة المجتمع الليبي وامتداد لثقافته في دول أخرى، ووجودها على المائدة هو تذكير دائم بأن الطعام ليس مجرد غذاء بل وسيلة للتواصل والتعبير عن الهوية، وأن وصفة صغيرة يمكن أن تحمل معها تاريخ شعبٍ كامل وتختصر ملامحه في لقمةٍ مشبعة بالحنين والانتماء.
المصدر: ويكيبيديا