دخل طبق الكسكس المغربي قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو نتيجة ارتباطه الوثيق بالعادات الاجتماعية والاحتفالات الأسرية والمناسبات السعيدة في دول المغرب العربي، حيث يحظى بحضور دائم على الموائد الشعبية، ويعتبر طعاماً رئيسياً في كل بيت.
وتستند أهمية الكسكس إلى تاريخه العريق ومكانته المتجذرة في تقاليد الطبخ الجماعي والأسري، ويعد من أبرز المأكولات التقليدية التي تمثل هوية شعوب المنطقة، وبخاصة المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، حيث يُطهى في البيوت ويُقدَّم في الأعراس والولائم والعزائم الكبرى وأيام الجمعة والأعياد الدينية.
وجاء إدراج الكسكس ضمن التراث غير المادي، بحسب منظمة اليونسكو، لما يحمله من رمزية اجتماعية وثقافية تتجاوز مجرد كونه طبقاً غذائياً، فهو يعبّر عن روح الجماعة والتكافل ويشكل أحد مظاهر التلاقي الأسري، حيث تتشارك النساء في تحضيره بمراحل تبدأ بعجن السميد يدوياً ثم طهيه على البخار في إناء خاص يسمى “الكسكاس”، ويتم تقديمه بأشكال متنوعة حسب المناطق، منها ما يُقدَّم باللحم أو الدجاج أو السمك أو الخضار أو حتى بالحليب والزبدة والسكر.
ويُطلق على الكسكس في بعض المناطق اسم “ساكسو” أو “كسكسي”، ويشبه في مكانته الأرز أو المعكرونة لدى شعوب أخرى، فهو مكون أساسي للوجبة اليومية، خصوصاً يوم الجمعة الذي يحتفظ فيه المغاربة بتقاليد تحضير طبق الكسكس الجماعي بعد صلاة الظهر، كرمز للوئام والصلات العائلية، بينما يقدمه الجزائريون في المناسبات الكبرى، فيما يعتبره التونسيون طبقاً تقليدياً يحضر بمهارة ويُتبَّل بالتوابل المحلية.
ورغم أن أول توثيق لغوي لكلمة “كسكس” في القواميس العربية يعود إلى القرن التاسع عشر، فإن الطبق معروف في المنطقة منذ قرون بعيدة، ويُعتقد أنه يعود إلى أصول أمازيغية ضاربة في القدم.
وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن الكسكس كان يُعدّ في البيوت منذ القرن الثالث عشر، باستخدام أوانٍ من الطين وحرف يدوية لا تزال مستعملة في القرى حتى الآن.
ويُصنع الكسكس أساساً من دقيق القمح أو الشعير، ويُعجن بالماء ثم يُفرك باليد على شكل حبيبات صغيرة ويُطهى بالبخار على مراحل، ثم يُضاف إليه المرق المكون من الخضار واللحم أو المكونات الأخرى حسب الذوق المحلي.
وتطورت وصفات الكسكس مع الوقت، حتى صارت تتعدد باختلاف المناطق والعائلات، وهو ما ساهم في إثراء الطبخ التقليدي المغربي وتنويع مكوناته.
ورغم بساطته، فإن الكسكس يحمل قيمة رمزية كبيرة في المجتمعات المغاربية، فقد تحوّل إلى أحد رموز الهوية الثقافية الجماعية، كما أصبح حاضراً في المطاعم العالمية، ما يعكس انتقاله من طعام تقليدي إلى سفير للمطبخ المغاربي على المستوى الدولي.
المصدر: الجزيرة نت