الكبة العراقية تتحدى الزمن وتحافظ على أسرار المذاق بين الأجيال المتعاقبة
اكتسبت الكبة العراقية شهرتها بفضل نكهتها المميزة ومكوناتها الغنية، واحتلت مكانة بارزة على موائد العراقيين، وتتميز هذه الكبة باستخدام الأرز والبطاطا في العجينة بدل البرغل، ما يمنحها طابعًا خاصًا يختلف عن الكبة الحلبية السورية، ويعكس قدرة المطبخ العراقي على المزج بين التقاليد المحلية والتراث المشترك مع بلاد الشام، وتعود تسميتها إلى رحلات التجار العراقيين إلى مدينة حلب السورية الذين كانوا يبحثون عن طعام مغذٍ وسهل النقل خلال رحلاتهم الطويلة، فكانت كبة الأرز خيارًا مثاليًا لقوتهم ومصدر طاقة مستدام.
سخن التجار هذه الكبة على طريقهم وأخذوها معهم إلى الحواضر السورية، ومع مرور الوقت أصبح اسمها مرتبطًا بمدينة حلب، على الرغم من أن أصلها عراقي بالكامل، ويظهر تاريخها العريق في أن الكبة كانت معروفة منذ العصور القديمة.
ويشير النقش المسماري الأكادي (كِبتّو) إلى أن الكبة كانت تُعد في موائد الملوك الآشوريين منذ عام 879 قبل الميلاد، كما تشير بعض المصادر إلى أصول فارسية للكلمة تعني الطحن والسحق، ما يعكس الأبعاد التاريخية والثقافية لهذا الطبق.
اخلط الطهاة البطاطا المهروسة مع الأرز المطبوخ والكركم لتكوين عجينة متماسكة قابلة للتشكيل، ثم حضروا الحشوة بتحمير اللحم المفروم مع البصل المفروم، وأضيفت المكسرات والفواكه المجففة مثل الكشمش والنومي بصره حسب الرغبة، إضافة إلى بهارات الكبة الخاصة، ليتم تشكيل العجينة على شكل أقراص أو كرات مع حشوة مركزية محكمة الإغلاق، ما يضمن عدم تسربها أثناء الطهي، ويظل اختيار الشكل مرتبطًا بالتقليد المحلي والأسلوب المفضل لكل طباخ.
اقلي الكبة في زيت ساخن حتى تتحول إلى اللون الذهبي المقرمش من الخارج، أو اشويها في الفرن أو على الفحم حسب الرغبة، واهتم الطهاة بتصفية الزيت الزائد لضمان توازن المذاق والقوام.
كما يُقدم هذا الطبق ساخنًا إلى جانب أطباق أخرى أو كمقبلات، ويكمل مذاقه تقديمه مع اللبن الزبادي أو السلطة، ما يمنح وجبة متكاملة من حيث الطعم والقيمة الغذائية، ويبرز قدرة الكبة العراقية على الجمع بين الغنى الغذائي والطعم الشهي.
تعكس الكبة العراقية تراثًا ثقافيًا غنيًا وتاريخًا طويلًا من التبادل التجاري والثقافي بين العراق وبلاد الشام، وتبرز اختلافاتها عن الكبة الحلبية وغيرها من أنواع الكبة الشرقية، وتظل رمزًا للمهارة الطهوية والتقاليد الغذائية التي توارثتها الأجيال، ويضيف هذا الطبق بعدًا جماليًا وتاريخيًا لكل وجبة، إذ يربط بين الماضي والحاضر ويجسد هوية المطبخ العراقي بطريقة مميزة ومحببة لجميع الأعمار.
المصدر: الترا عراق