يُعدّ القفطان الجزائري أحد الألبسة التقليدية البارزة التي تحافظ على حضورها الدائم في جميع المناسبات، ولا يقتصر ارتداؤه على النساء فحسب، بل يشمل كلا الجنسين في سياقاتٍ تاريخيةٍ واحتفاليةٍ مختلفةٍ.
يمثل القفطان النسائي قطعةً محوريةً في خزانة المرأة الجزائرية، ويُعتبر أساسياً في جهاز العروسة (حقيبة العروس)، حيث ترتديه العروس في مختلف مراسيم العرس، مثل يوم الحناء، وصباحية العروسة، وحمام العروسة، إضافةً إلى المناسبات الدينية والأيام العادية.
اقتصر ارتداء القفطان الرجالي في الماضي على السلاطين وبايات الجزائر والسلطات العليا في البلاد، كالشاوش (رجال الشرطة) وفرسان الفانتازيا، مما يدل على مكانته الرفيعة والمحترمة.
أما في الوقت الحاضر، فقد أصبح القفطان الرجالي لباساً ضرورياً في العروض الموسيقية التراثية، مثل فرقة قرقابو، إلى جانب الجبادولي وغيره من الألبسة الرجالية الجزائرية، حافظاً على هويته التراثية.
تُشير المصادر إلى أن القفطان في الأصل هو لباس آسيوي، انتقل إلى العديد من الدول، مثل مصر وروسيا وسوريا وشمال بغداد والجزائر، عن طريق الدولة العثمانية التي نشرته في مناطق نفوذها.
كلمة “قفطان” مشتقةٌ من الكلمة الفارسية “خفتان”، التي تعني ثوباً من القطن يُلبس فوق الدرع، بينما تعني بالتركية “جبة بيضاء من القطن”.
يصف القفطان بأنه ثوبٌ فضفاضٌ سابغٌ يصل إلى الكاحلين، يتميز بشقّه من المقدمة، ويُضم طرفاه بحزامٍ يحدد الخصر، وقد كان في البداية لباساً محتكراً على الرجال فقط.
كان السلاطين والمماليك يرتدونه على شكل معطفٍ يصل إلى القدمين، ويُلبس تحته السروال والقميص والصديري، ثم تطور بعد ذلك ليصبح لباساً للمرأة داخل المنزل.
يُظهر القفطان الجزائري تشابهاً مع القفطان الذي كان يرتديه الرجال في مصر وسوريا، لكونه مفتوحاً من الأمام وذا أكمامٍ قصيرةٍ ويصل طوله إلى القدمين.
وفي فترة حكم الدولة العثمانية، كان القفطان الذي يرتديه دايات وبايات الجزائر مطرزاً بخيوطٍ ذهبيةٍ أو فضيةٍ فاخرةٍ، مما يعكس الثراء والنفوذ.
انفردت الجزائر بنوعٍ خاصٍ من القفاطين يُسمى “قفطان الشرف”، الذي كان يُهدى من السلطان سليمان الأول لكل من يستلم الحكم أو يحصل على لقب الباشا، كرمزٍ للتكريم والتشريف.
كان المسؤولون الأتراك في الجزائر يرتدون القفطان ذا الأكمام العريضة، والمُزين من الأمام بلعقاد والخيوط الذهبية والفضية، بينما صُنع قفطان النساء من قماشٍ حريريٍ أو مُذهبٍ، حسب الطبقة الاجتماعية.
يتميز القفطان الجزائري، سواء الرجالي أو النسائي، عن غيره من الألبسة في الدول الأخرى بتطريز “المحيرزات” أو “العوينات”، وهو طرزٌ شائعٌ في العديد من الألبسة التقليدية الجزائرية، لا سيما “الغليلة”.
عادةً ما يُصنع القفطان الجزائري من قماش الجنوة أو الكمخة أو الأطلس، ويتزين بخيوطٍ ذهبيةٍ تُسمى محلياً “الفتلة”، ويتوسطه “لعقاد” عند الصدر، وهي خيوطٌ رفيعةٌ حريريةٌ أو ذهبيةٌ تتشابك لتشكل كراتٍ صغيرةً تشبه الأزرار.
اعتادت النساء في الجزائر على لبس القفطان كمعطفٍ مفتوحٍ من الأمام من قماش الجنوة، يوضع فوق سروال القعدة (السروال المدور) أو فوق الجبة، كما كان يُلبس أيضاً على شكل فستانٍ مزينٍ من الأمام بـ”سفيفة ولعقاد”.
تُعدّ الجزائر بلداً غنياً ثقافياً، مما أدى لظهور أنواعٍ متعددةٍ من القفاطين في مدنٍ، مثل تلمسان والجزائر العاصمة ووهران والبليدة وقسنطينة وعنابة.
تُبرز كل مدينةٍ بصمتها الخاصة في تطوير القفطان، فنجد “قفطان الداي” المطرز بخيوطٍ ذهبيةٍ، و”قفطان البهجة” الذي يتميز بقماشه المزخرف بالورود الملونة.
بالإضافة إلى “قفطان المحيرزات” الطويل والواسع الأكمام، و”قفطان القاضي” المصنوع من الجنوة والمطرز بـ”المجبود”، وكذلك “قفطان القرنفلة” الذي يشتهر في عنابة.
يُعرف قفطان “الدلالة العنابية” كمعطفٍ بدون أكمامٍ يلبس فوق قندورة الستان، ويُعدّ “قفطان الشدة التلمسانية”، الذي يُسمى “القرفطان” ويسجل كجزءٍ من الشدة التلمسانية في منظمة اليونسكو، دليلاً على العمق التراثي لهذا اللباس العريق، هذا التنوع يُثري الموروث الثقافي الجزائري ويؤكد مكانة القفطان كرمزٍ للجمال والأصالة.
المصدر: ويكيبيديا