يبرز القصر العباسي في بغداد كمعلم تاريخي يعكس ملامح العمارة الإسلامية ويجسد ازدهار العصر العباسي، حيث يقع على ضفاف نهر دجلة في منطقة الميدان، ويعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، ويعد من الشواهد النادرة الباقية من ذلك العصر، إذ يجمع في تصميمه بين الزخارف الفنية والنقوش الهندسية ليشكل تحفة معمارية فريدة.
شُيد القصر في عهد الخليفة الناصر لدين الله، ورغم أن هوية بانيه وتاريخ إنشائه الدقيق ما زالا محل نقاش بين الباحثين، إلا أن تصميمه يتشابه مع مدارس عباسية أخرى مثل المدرسة المستنصرية، مما يعزز قيمته التاريخية ويعطيه بعدًا ثقافيًا مميزًا، وقد استُخدم القصر في وظائف متعددة منها الحصن أو دار العلم، حيث احتضن قاعات دراسية ونشاطات فكرية عكست دور بغداد في نشر المعرفة.
يقع القصر في منطقة الرصافة شمال شارع المتنبي الذي يُعرف بكونه مركزًا ثقافيًا بارزًا، وهو جزء من موقع الملامح التاريخية لنهر دجلة المدرج على القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، مما يضفي عليه مكانة عالمية كونه شاهدًا على التاريخ العريق للعراق، وتظهر جدرانه مزينة بزخارف فسيفسائية وأنماط هندسية وزهرية تعكس براعة الحرفيين العباسيين وإبداعهم الفني الذي ميز تلك الحقبة.
تعرض القصر العباسي عبر تاريخه الطويل لتحديات عديدة، فقد واجه آثار الحملات التترية وما تبعها من دمار، كما عانى خلال فترات اضطراب سياسي حديثة حين سُرقت أبوابه الخارجية قبل أن تُعاد لاحقًا، ورغم هذه الأزمات فقد تولت دائرة الآثار منذ عام 1934 مهمة الحفاظ عليه، حيث جرت عمليات صيانة متفرقة كان آخرها في عامي 2019 و2021، وذلك ضمن جهود مستمرة لضمان بقاء القصر رمزًا معماريًا وحضاريًا بارزًا.
يمثل القصر العباسي اليوم عنصر جذب للزوار والباحثين من مختلف أنحاء العالم، إذ يعكس في تفاصيله جوانب من حياة بغداد في العصر العباسي ويظهر مكانتها كعاصمة للعلم والثقافة، ويبرز القصر بقيمته الفنية والتاريخية كجسر يربط الماضي بالحاضر، ويؤكد على ضرورة حماية التراث العراقي والحفاظ على هويته الحضارية، كما يرسخ دور بغداد كمدينة شكلت عبر العصور مركزًا حضاريًا لا غنى عن دراسته لفهم تاريخ المنطقة.
المصدر: ويكيبيديا