السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الكويت » مادي » المعالم التاريخية » القصر الأحمر بالجهراء يروي صمود التاريخ بعمارة الطين والأصالة

القصر الأحمر بالجهراء يروي صمود التاريخ بعمارة الطين والأصالة

اكتسب القصر الأحمر بالجهراء في الكويت اسمه الفريد من لون مادة الطين الأحمر التي استخدمت كمكون رئيسي في عملية تشييده، وكانت هذه المادة البنائية سائدة في ذلك العصر، موفرة عزلاً حرارياً فعالاً في الشتاء وتهوية طبيعية ممتازة في صيف المنطقة الحار، مما يدل على براعة الهندسة المحلية.

أصبح هذا الصرح رمزاً معمارياً ذا دلالات عميقة، يمثل كفاح وصمود وبسالة الشعب الكويتي على مر العصور، ويعد من أهم المعالم الحضارية والتاريخية في محافظة الجهراء التي تقع شمال غربي الكويت.

شُيّد القصر الأيقوني في عام 1897م، وذلك في فترة حكم الشيخ مبارك الصباح، وكان الهدف الأساسي من بنائه أن يكون مقراً لإقامة الأمير وسكناً له أثناء زياراته التفقدية لمدينة الجهراء، التي كانت تتميز بوجود قرى سكنية ومزارع خصبة وآبار للمياه الجوفية الوفيرة.

وفر القصر حماية استراتيجية لمدينة الجهراء وللكويت بشكل عام، وذلك بفضل موقعه المتميز الذي سمح له بالقيام بدوره الدفاعي، وشهدت أسواره التاريخية وقائع معركة الجهراء البطولية في عام 1920م، وظل القصر الأحمر شامخاً بجماله اللوني، وأبوابه مفتوحة اليوم لاستقبال الزوار، للتعرف على تاريخ الجهراء والكويت.

منتزه «قرية القصر الأحمر» بالجهراء يرى النور قريباً - جريدة الجريدة الكويتية

بُني القصر الأحمر وسط واحات خضراء ومناطق غنية بآبار المياه، حيث بلغت مساحته الإجمالية 6939 متراً مربعاً، بينما كانت مساحة البناء الفعلية 1450 متراً مربعاً، واتخذ تصميمه شكلاً مربعاً يبلغ طول ضلعه ثمانين متراً، مما يجعله حصناً متكاملاً.

ارتفعت أسوار القصر بارتفاع أربعة أمتار ونصف المتر، ووصل سمكها إلى ما يزيد عن ثمانين سنتيمتراً، مما يمنحها قوة ومتانة فائقة، وتتوج زوايا القصر الأربع بأبراج دفاعية مربعة الشكل تُعرف محلياً باسم “الغولة”، وهو نمط بناء شائع في منطقة الخليج بالقرن التاسع عشر.

بلغ ارتفاع أبراج “الغولة” ستة أمتار، وزودت بسلالم داخلية تؤدي إلى “المزاغيل”، وهي فتحات ضيقة صُممت خصيصاً للمراقبة الدقيقة وإطلاق النار من جميع الاتجاهات، مما يعزز قدرة القصر على الصد والدفاع عن المنطقة المحيطة به.

ضم القصر في تصميمه ثلاثاً وثلاثين غرفة مخصصة لأغراض مختلفة، بالإضافة إلى ستة أحواش (أفنية) داخلية، وكان أحد هذه الأحواش كبيراً، ويتوسطه بئر ماء جوفي كبير، لم يكن ماء البئر صالحاً للاستهلاك البشري، ولكنه كان يستخدم بشكل أساسي لسقاية الخيل الأصيلة والإبل، وري بعض الأشجار الموجودة داخل محيط القصر، مما يضمن الاكتفاء الذاتي في الحصار.

توزعت مداخل القصر عبر ثلاث بوابات رئيسية مختلفة الأحجام والوظائف، ومنها البوابة الشمالية الشرقية الكبيرة التي كانت تحرسها المدافع الثقيلة، وهناك بوابة شمالية متوسطة الحجم لسهولة الدخول والخروج، وبوابة صغيرة مخصصة تؤدي مباشرة إلى حوش (فناء) الحريم الداخلي.

قُسم القصر داخلياً إلى ثلاثة أقسام وظيفية متكاملة، حيث خُصص القسم الشمالي لسكن الأمير وحرمه، واحتوى على تسع غرف خاصة، وفناء داخلي خاص بهذا الجزء، وزُود بسلمين، أحدهما يؤدي إلى سطح القصر والآخر إلى غرفة نوم الأمير الرئيسية، لضمان السرية والخصوصية.

كُرست الجهة الغربية من القصر لتكون ديوان الأمير الرسمي لاستقبال كبار الضيوف والوفود، فيما خُصصت الجهة الشمالية لمرابط الخيل المجهزة بكافة متطلباتها، وأنشئ في الجهة الجنوبية الإسطبل الشتوي، وهو عبارة عن غرفة مسقوفة ودافئة تحتوي على أحواض لتوفير العلف والماء للخيل، حيث كانت تحفظ بها الخيول خلال فصل الشتاء البارد، وكانت الخيول جميعها من الفصائل العربية الأصيلة ذات الجودة العالية.

احتوى القصر أيضاً على مصلى خاص يتسع لنحو خمسين مُصلياً، مما يجعله وحدة متكاملة للسكن، والحكم، والحماية العسكرية، والعبادة، وقد حقق القصر أهدافه بكفاءة عالية، كونه مركزاً حيوياً للحماية والحكم في مدينة الجهراء الاستراتيجية.

بني القصر بنظام هندسي محلي متقن وملائم للظروف المناخية القاسية، وقد أظهرت السواعد الكويتية مهارة فائقة في عملية التشييد، خاصة أبناء مدينة الجهراء، ومن أبرز أساتذة البناء الذين شاركوا في إنجازه إبراهيم سليمان المانع، وسليمان السالم، ومحمد عبدالرحمن الحمادي، ومحمد علي السعيد.

أعلنت الكويت عن إعادة افتتاح القصر الأحمر بحلة جديدة، بعد فترة طويلة من أعمال الترميم والتأهيل الدقيقة، التي استمرت لأكثر من عام كامل، وتمت هذه الأعمال وفقاً لأحدث النظم الهندسية العالمية، مع مراعاة دقيقة للحفاظ على طابعه التاريخي الأصيل وخصائصه المعمارية المتميزة.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار