السبت 1447/02/08هـ (02-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » الآثار » القصبة.. ذاكرة الجزائر التي تنبض بالتاريخ والمقاومة والهوية

القصبة.. ذاكرة الجزائر التي تنبض بالتاريخ والمقاومة والهوية

 

احتضنت قصبة الجزائر، أو كما تُعرف بالقصبة فقط، عبر قرون من الزمن، مختلف فصول التاريخ الجزائري بكل تفاصيله، من العصور القديمة إلى ما بعد الاستقلال، فقد نشأت هذه المدينة العتيقة على أنقاض مدينة إيكوسيوم الفينيقية-الرومانية، ومرت بمراحل متعاقبة بين القرطاجيين، والنوميديين، والرومان، ثم الزيريين، فالمرابطين، فالعثمانيين، إلى أن سقطت تحت الاحتلال الفرنسي عام 1830، وهي اليوم تمثل رمزًا للهوية الجزائرية، ومعلمًا تراثيًا عالميًا مسجلًا على قائمة اليونسكو منذ عام 1992، رغم ما يهددها من تهميش وضعف في الترميم والصيانة.

تأسست القصبة في شكلها الإسلامي المميز على يد بلقين بن زيري في القرن العاشر الميلادي، على أنقاض المستوطنة الرومانية القديمة، لتتحول لاحقًا إلى قلب سياسي واقتصادي وثقافي نابض بالحياة في العهد العثماني، وكانت مقرًا للدايات ومركزًا للحكم المحلي، وازدهرت فيها العمارة الإسلامية بفضل طراز البيوت الفريدة التي تتوزع حول أفنية مفتوحة، والمساجد المزخرفة، والأسواق المترابطة، والشوارع الضيقة المتعرجة التي تُشبه المتاهة.

وتتميّز البيوت في القصبة بتصميم معماري يجمع بين الخصوصية والوظيفة، حيث تتصل الأسطح فيما بينها ما يُتيح الانتقال بين المنازل سيرًا على الأقدام عبر السطوح، في مشهد حضري قلّ نظيره.

وقد لعبت القصبة دورًا محوريًا خلال الثورة التحريرية الجزائرية، حيث شكلت حصنًا للمجاهدين ومعقلاً للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي، وكانت منطلقًا لعمليات نوعية عدة في قلب العاصمة.

ومع ذلك، ورغم ما تحمله من قيمة رمزية وتاريخية، عانت المنطقة من الإهمال بعد الاستقلال، وتراجعت مكانتها لصالح أحياء جديدة بنيت وفق تخطيط عمراني حديث.

وأصبح سكانها، الذين يقدّر عددهم اليوم بنحو خمسين ألف نسمة، يواجهون تحديات متزايدة تتعلق بالبنية التحتية المتهالكة، وغياب مشاريع الترميم الجادة، فضلاً عن خطر انهيار عدد من البيوت القديمة بفعل عوامل الطبيعة.

تتمتع القصبة بموقع جغرافي مميز يطل على البحر الأبيض المتوسط، وتمتد عبر منحدر حاد يبلغ ارتفاعه 118 مترًا، ما جعلها تحظى بأهمية دفاعية وتجارية عبر مختلف الحقب.

وقد تميزت منذ القدم بنظام هندسي مائي متطور، حيث اعتمدت على قنوات مائية معقدة تمتد من ينابيع جبلية قريبة، وقد استُخدمت تقنيات متقدمة كالأنفاق والسيفونات لضمان جريان المياه إلى البيوت والحمامات والمساجد والنوافير.

وخلال فترة الاستعمار الفرنسي، طُمست أجزاء واسعة من معالم القصبة، وهُدمت مبانٍ كثيرة منها لبناء ساحة الشهداء وشوارع أوروبية جديدة غيّرت معالم العاصمة.

ومع ذلك، بقيت القصبة شاهدة على ماضي المدينة، محتفظة بمساجدها التاريخية مثل الجامع الكبير، وجامع كتشاوة، وجامع علي بتشين، إضافة إلى أضرحة الأولياء مثل سيدي عبد الرحمن الثعالبي، وقصورها البديعة كقصر الداي وقصر خداوج العمياء.

المصدر: unesco

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار