تعكس مدينة القدس القديمة وأسوارها ملامح تاريخ طويل ممتد منذ أكثر من خمسة آلاف عام ، وتشكل هذه المساحة المحصورة داخل الأسوار نموذجاً فريداً للتعدد الديني والثقافي والمعماري ، ويضم هذا الموقع أكثر من 220 معلماً دينياً وتاريخياً لا تزال تحظى بمكانة روحية لدى أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث.
تشهد شوارع وأزقة البلدة القديمة على تعاقب الحضارات وتداخل الثقافات منذ آلاف السنين ، وتحتوي على مواقع دينية بارزة منها كنيسة القيامة والحرم القدسي الشريف ، وتبرز هذه المعالم في محيط معماري يعكس قيم التسامح والتعايش بين الأديان رغم التحديات السياسية التي واجهتها المدينة عبر عصور مختلفة.
تتوزع المدينة إلى أربعة أحياء رئيسية تحمل بصمات دينية وثقافية واضحة ، ويضم الحي الإسلامي مناطق سكنية وأسواقاً ومساجد أبرزها المسجد الأقصى ، بينما يحتضن الحي المسيحي كنيسة القيامة إلى جانب عدد من الأديرة ، ويتميز الحي الأرمني بثقافته الخاصة رغم مساحته المحدودة ، أما الحي اليهودي فيضم أماكن عبادة ومنازل أعيد ترميمها خلال فترات لاحقة.
شهدت المدينة بناء أسوارها الحالية في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني بين عامي 1535 و1542 ، ويبلغ طول هذه الأسوار نحو 4 كيلومترات وارتفاعها 12 متراً ، كما تحتوي على 34 برج مراقبة و8 بوابات تاريخية لعبت دوراً دفاعياً مهماً ثم تحولت لاحقاً إلى معالم جذب سياحي ، وتسهم هذه البوابات في توثيق التحولات السياسية والعسكرية التي مرت بها المدينة.
أُدرجت البلدة القديمة وأسوارها على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو عام 1981 ، ثم أُضيفت في العام التالي إلى قائمة التراث المهدد بالخطر ، وجددت المنظمة هذا التصنيف عدة مرات للتأكيد على الحاجة إلى الحفاظ على طابعها التاريخي والتنوع الذي تحتضنه ، كما دعت إلى حماية الموروث الثقافي من التغييرات التي قد تمس سلامته العمرانية أو تؤثر على خصوصيته الدينية.
تمثل القدس القديمة نموذجاً حياً لمدن العصور الوسطى من حيث تخطيطها وتكوينها الاجتماعي ، وتستمر في اجتذاب الباحثين والزوار باعتبارها شاهدة على محطات مركزية في تاريخ البشرية ، وتلعب هذه المساحة المسوّرة دوراً محورياً في إبراز مكانة المدينة في الوجدان الديني العالمي.
المصدر: اليونسكو