الثلاثاء 1447/04/15هـ (07-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » اليمن » غير مرئي » الملابس » الغناء الصنعاني يجسد هوية اليمن الموسيقية عبر القرون

الغناء الصنعاني يجسد هوية اليمن الموسيقية عبر القرون

يمثل الغناء الصنعاني، المعروف أيضًا باسم أغنية صنعاء، أحد أبرز أشكال التعبير الفني في اليمن، إذ يجمع بين الموسيقى والشعر في مزيج فريد يعكس عمق التراث الثقافي للبلاد.

ويُمارس هذا الفن منذ قرون طويلة في جميع أنحاء اليمن، حيث ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالمناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف والجلسات التقليدية والمقيال، ليكون عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية، ووسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية.

وتعود أصول هذا النوع الغنائي إلى تقاليد شعرية متنوعة تمتد إلى القرن الرابع عشر، حيث شكلت النصوص المكتوبة بالعربية الكلاسيكية واللهجة اليمنية العامية قاعدة فنية له، وتميزت هذه النصوص بثرائها اللفظي وتلاعبها الشعري، فضلًا عن مضمونها الوجداني الذي جعلها قريبة من الناس، ومعبرة عن أحاسيسهم، وبذلك بات الغناء الصنعاني جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية، وجسرًا يربط بين الأجيال من خلال نقل الشعر والموسيقى في إطار اجتماعي وروحي.

ويؤدى الغناء الصنعاني بطريقة خاصة تعتمد على مغنٍ منفرد يرافقه عازفان يستخدمان آلتين موسيقيتين تقليديتين هما القنبوس، المعروف بالعود اليمني، والصحن النحاسي الذي يضرب عليه بإيقاعات دقيقة تمنح الأغنية طابعها المميز.

وتقوم جمالية الأداء على قدرة المغني على تجميل اللحن والتركيز على معنى النص، مما يحرك مشاعر المستمعين ويجعلهم يعيشون تجربة وجدانية عميقة، وعلى الرغم من تعدد الأنماط اللحنية، فإن التنقل بين الطبقات الصوتية يظل نادرًا، وهو ما يمنح الأغنية خصوصيتها الفريدة.

ويشكل الغناء الصنعاني أكثر من مجرد فن موسيقي، إذ يعد وسيلة للتواصل الاجتماعي والثقافي، حيث يجتمع الناس للاستماع إلى الأداء وتبادل المشاعر.

كما يبرز هذا الغناء كرمز للذاكرة الجمعية لمدينة صنعاء التاريخية، التي حملت اسم الفن وعرفته إلى العالم، رغم أن صداه يمتد إلى القرى والبلدات اليمنية الأخرى التي تحتفي به كجزء من تراثها المحلي.

ويحظى هذا التقليد الموسيقي باهتمام خاص نظرًا لقيمته التراثية، حيث تم إدراجه عام 2008 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في اليمن، تقديرًا لدوره في حفظ الهوية الفنية، وإبراز مكانة اليمن على الخريطة الثقافية العالمية.

ويؤكد هذا الاعتراف العالمي أن الغناء الصنعاني ليس مجرد ممارسة فنية محلية، بل إرث إنساني يعبر عن التنوع والثراء الثقافي.

وبين دفء الكلمات وعذوبة الألحان، يظل الغناء الصنعاني شاهدًا حيًا على قدرة الفن على صون الذاكرة، وتوحيد الناس حول قيم الجمال والإنسانية، ليبقى حاضرًا في وجدان اليمنيين كأحد أعمدة تراثهم الموسيقي العريق.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار