الجمعة 1447/05/02هـ (24-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » ليبيا » مرئي » الطعام » العصبان الليبي أكلة شعبية محشوة بالأسرار والتاريخ وتعيد الحياة إلى موائد العيد

العصبان الليبي أكلة شعبية محشوة بالأسرار والتاريخ وتعيد الحياة إلى موائد العيد

يعيد العصبان الليبي رسم حكاية المطبخ الشعبي ويكشف عن جذور ضاربة في عمق الثقافة الغذائية للمجتمع الليبي الذي حافظ على هذا الطبق بوصفه رمزًا للأصالة وارتباطًا بالذاكرة الجماعية، فقد بدأ العصبان كوجبة بسيطة تُعد في القرى أثناء المناسبات الكبرى، ثم أصبح اليوم جزءًا من هوية المائدة الليبية التي تفتخر بطابعها التراثي المميز.

يُحضَّر العصبان عادة في المناسبات السعيدة مثل الأفراح وأعياد الأضحى والاحتفال بالمولود الجديد، ويُنظر إليه على أنه علامة احتفاء بالحياة والتقاليد، إذ لا يُقدَّم إلا في أوقات الفرح التي تجمع العائلة والأصدقاء حول مائدة مليئة بالنكهات، فهو ليس مجرد طعام بل طقس اجتماعي متكامل يُعبّر عن روح المشاركة والكرم.

يُصنع العصبان من أمعاء الخروف التي تُنظَّف بعناية وتُحشى بخليط من الأرز واللحم والكبد والبقدونس والكسبرة والبصل والشبت والنعناع، وتُضاف إليها بهارات مثل الكركم والفلفل الحار والكمون والكزبرة والملح، مع معجون الطماطم والزيت الذي يمنحها اللون والنكهة القوية، ثم تُغلى في المرق وتُطهى حتى تكتسب قوامًا متماسكًا ورائحة تعبق في أرجاء المطبخ، وتُقدَّم عادة مع أرز مطبوخ بمرق العصبان نفسه.

العصبان الليبي | الشيف شربيني - YouTube

تتميّز طريقة إعداد العصبان بدقة عالية وصبر طويل، إذ تعتمد على مهارة النساء في ضبط كمية الحشوة وشدّ الأمعاء بالخيوط بطريقة تمنعها من الانفجار أثناء الطهي، وهي مهارة تُنقل من الأمهات إلى البنات عبر الأجيال، مما جعل هذا الطبق جزءًا من التراث الحي الذي يوثّق ملامح المجتمع الليبي عبر تفاصيل المطبخ.

وتتعدد أنواع العصبان داخل ليبيا وخارجها، فهناك العصبان العادي، والعصبان بالبطاطا أو بالباذنجان، والعصبان بلحم الرأس أو بالقديد، وهناك ما يُطهى بالقلاية أو يُعرَف باسم “عصبان الشمس” الذي يُجفَّف قبل الطهي ليحافظ على نكهته لفترة أطول، وتلك التنويعات تكشف عن قدرة المطبخ الليبي على الابتكار مع الحفاظ على الأساس التراثي للطبق الأصلي.

كما تمتد شهرة العصبان إلى تونس والجزائر ومناطق من غرب مصر حيث يُعرف باسم “الممبار”، وتشترك هذه الدول في الاحتفاء به خلال عيد الأضحى بوصفه الطبق الرسمي الذي لا يغيب عن الموائد في أول أيام العيد، ويُعَدّ تحضيره علامة على الفرح الجمعي والتقاليد المتوارثة التي تصنع رابطًا قويًا بين الشعوب المغاربية.

ويظل العصبان الليبي أكثر من مجرد أكلة شعبية، فهو سجلّ لذاكرة الناس وتاريخ البيوت الليبية القديمة، وعنوان للكرم العائلي والبهجة التي تجتمع حولها القلوب قبل الأطباق، وهو شاهد على أن الطعام يمكن أن يكون وثيقة ثقافية تحفظ روح المكان وتربط الماضي بالحاضر.

المصدر:ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار