أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” الطريقة التقليدية التونسية لصيد الأسماك المعروفة باسم “الشرفية”، ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، لتصبح بذلك هذه الوسيلة البحرية القديمة جزءًا من سجل عالمي يعترف بأصالة التجربة، وعمق ارتباطها بالحياة اليومية لسكان جزيرة قرقنة، الواقعة بمحافظة صفاقس جنوب شرقي تونس.
وقد جاء هذا الإدراج تتويجًا لجهود امتدت على مدار سنوات، بعد أن تقدمت تونس بملف رسمي يوثق هذه الطريقة ويُبرز أهميتها البيئية والاجتماعية والثقافية.
تمثل الشرفية أكثر من مجرد تقنية تقليدية في الصيد، فهي منظومة متكاملة تنبض بالحياة وتعكس نمط عيش متجذر في عمق البحر والذاكرة.
وتُبنى هذه المصائد من سعف النخيل على شكل متاهة مائية، تُثبت في قاع البحر وتستغل التيارات البحرية لتوجيه الأسماك إلى فخاخ طبيعية، دون استخدام أدوات صيد حديثة أو تكنولوجيا متطورة، مما يجعلها نموذجًا فريدًا في الصيد المستدام الذي يحترم التوازن البيئي ولا يخل بمنظومة التنوع البحري.
وبحسب ما أوردته الجهات الثقافية في تونس، فإن الشرفية ليست فقط أداة إنتاج، بل هي أيضًا جزء من الإرث الثقافي المادي والرمزي، حيث ترتبط بأسماء العائلات والقبائل، وتُورّث من جيل إلى جيل كما تُورّث الأراضي والممتلكات، ولها قيمة اقتصادية وحقوقية، إذ تُباع وتُشترى وتُوثّق وتُحدد حدودها بدقة في العقود الرسمية، ما يجعلها أشبه بملك عقاري بحري خاص، يتمتع بوضع قانوني واضح.
تعكس طريقة الشرفية منظومة اجتماعية فريدة، إذ تقوم على العمل الجماعي وتقاسم المهام وتوزيع الأرباح، ويشترك في إدارتها الصيادون من مختلف الأعمار، وتُعتبر مواسم الصيد بالشرفية من المحطات المهمة في الروزنامة الاقتصادية والاجتماعية لسكان قرقنة، فهي ليست فقط مصدر دخل بل مناسبة للالتقاء والاحتفال، ومجال لنقل المعارف التقليدية حول الرياح، والتيارات، ودورات القمر، التي تؤثر جميعها في فعالية الصيد.
يعزز إدراج الشرفية في قائمة التراث اللامادي العالمي حضور تونس في المحافل الثقافية الدولية، ويضاف إلى سجلها الذي يتضمن أيضًا الكسكسي وفخار سجنان والنخلة، وهو ما يكرّس الصورة المتنوعة والعميقة للثقافة التونسية التي تتقاطع فيها التقاليد الزراعية والصناعات اليدوية والممارسات البيئية.
كما يشجع هذا الإدراج على توجيه الأنظار نحو قرقنة باعتبارها جزيرة تنبض بالتراث الحي، تستحق العناية من الباحثين والزائرين والمؤسسات الثقافية، لما تملكه من كنوز غير مرئية تحملها ذاكرة البحر وأيدي الصيادين.
وفي ظل التحديات البيئية وتراجع بعض أشكال الصيد المستدام، فإن الحفاظ على تقنيات مثل الشرفية لم يعد فقط مسؤولية محلية، بل ضرورة عالمية لحماية التنوع الثقافي والبيئي، وضمان انتقال هذه المعارف إلى الأجيال القادمة، بعيدًا عن محو الخصوصيات في ظل هيمنة أساليب الإنتاج الحديثة.
المصدر: سيدتي