يتميز الخليج العربي بتنوع أطباقه التراثية التي انتقلت عبر الأجيال، ويأتي “الساقو” في مقدمة هذه الحلويات التي ارتبطت بالذاكرة الشعبية وخصوصاً في المنطقة الشرقية من السعودية، حيث يحتل مكانة خاصة في المناسبات وموائد شهر رمضان. ويُعد الساقو من الحلويات القديمة التي انتقلت من الهند إلى الخليج، ثم اكتسبت طابعاً محلياً جعلها جزءاً من التراث الغذائي للمنطقة.
يعتمد طبق الساقو في أساسه على نوع من الحبوب النشوية البيضاء المستخرجة من قلب نخيل المناطق المدارية المعروف باسم نخيل الساغو، وهو نبات ينمو بسرعة كبيرة ويصل طوله إلى متر ونصف خلال عام واحد، وتنتج النخلة الواحدة ما بين 150 إلى 300 كيلوجرام من النشا المستخدم في إعداد هذا الطبق. وتعرف هذه الحبوب في الهند باسم “سابودانا”، وهناك تُعد مكوناً أساسياً في العديد من الأطعمة، كالخبز والمعجنات والحلويات، قبل أن تصل إلى الخليج عبر التجارة القديمة بين الهند ودول المنطقة.
ويُحضّر الساقو بطرق متعددة تختلف من مدينة لأخرى داخل الخليج، إلا أن قاعدته واحدة تعتمد على إذابة السكر مع حبوب الساقو المنقوعة في الماء حتى تصبح شفافة وذات قوام يشبه الجيلي، ثم تضاف إليها مكونات النكهة التقليدية مثل الزبدة أو السمن الطبيعي، وماء الورد، والهيل المطحون، والزعفران الذي يمنح الطبق لونه الذهبي ورائحته المميزة. ويُفضل البعض إضافة الحليب ليزيد من القيمة الغذائية والنكهة الكريمية، بينما يختار آخرون تقديمه كما هو للحفاظ على طعمه التقليدي الخفيف.
وتختلف طرق التزيين بين المحافظات والمدن، فبعضها يزين الطبق بالمكسرات المجروشة كاللوز والفستق لإضفاء لمسة عطرية غنية، بينما يفضّل آخرون تركه بسيطاً دون إضافات سوى القليل من الزبدة ليحتفظ بنكهته التراثية الأصيلة. وتعد هذه التفاصيل الدقيقة جزءاً من الهوية الثقافية التي تُميز كل منطقة على حدة.
ويحظى طبق الساقو بإقبال واسع في شهر رمضان المبارك، إذ يُقدَّم بعد الإفطار كتحلية خفيفة تعوّض الجسم عن الطاقة المفقودة أثناء الصيام، لما يحتويه من سكريات ونشويات طبيعية. ويُقدَّم عادة دافئاً في فناجين صغيرة تشبه أكواب القهوة العربية، ويمكن تناوله بارداً حسب الرغبة.
وقد ساهمت البرامج المتخصصة في الطبخ والمنصات الإلكترونية في الحفاظ على حضور الساقو في المائدة الخليجية، إذ قدمت الشيف وفاء الكندري وصفة معروفة له عبر قناة “فتافيت”، وأشارت إلى أن نجاح الطبق يعتمد على نقع الحبوب جيداً قبل الطهي ومزجها بدقة مع السكر المذاب حتى يتحقق القوام المطلوب دون تكتل.
ويُعد الساقو اليوم مثالاً حياً على تمازج الثقافات بين الهند والخليج، حيث جمع بين المكونات الهندية القديمة واللمسة الخليجية الأصيلة في التقديم والنكهة، فصار طبقاً رمضانيًا يعبر عن ذاكرة المكان ودفء الموروث. ولا يزال هذا الطبق يحتفظ بمكانته في البيوت الخليجية، شاهداً على علاقة تمتد بين الماضي والحاضر تجمع البساطة بالنكهة وتعيد إحياء التراث في كل مرة يوضع فيها على المائدة.
المصدر: الخليج