السبت 1447/02/08هـ (02-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » المعالم التاريخية » الزي التلمساني يعكس ثراء الحضارات ويصنف تراثا إنسانيا عالميا

الزي التلمساني يعكس ثراء الحضارات ويصنف تراثا إنسانيا عالميا

يعكس الزي التلمساني التقليدي عمق الهوية الثقافية الجزائرية وارتباطها بتاريخ ضارب في القدم ، ويمثل هذا الزي المعروف باسم “الشدة التلمسانية” واحدًا من أبرز رموز التراث اللامادي في شمال إفريقيا ، إذ يعود ظهوره إلى ما قبل سقوط الأندلس ويتأصل في فترة الدولة الزيانية التي شهدت ازدهار مدينة تلمسان سياسيا وثقافيا ، وتمكنت اليونسكو من تصنيفه كتراث ثقافي غير مادي للإنسانية ضمن جهودها لحماية الذاكرة الشعبية والموروثات الأصيلة.

تميّز الزي التلمساني بتركيبته المعقدة التي تمزج بين ثقافات متعددة مرت على المدينة ، حيث تأخذ البلوزة شكلها من الطابع العربي وتتميز بخيوط ذهبية دقيقة تمتد على أقمشة حريرية مشغولة بعناية ، فيما تنتمي الفوطة إلى التراث الأمازيغي التقليدي ، ويكتمل المشهد بالقفطان ذي الأصول العثمانية والذي يمنح المظهر الخارجي للزي طابعا ملكيا ، أما الشاشية التي تعتلي الرأس فهي مستوحاة من الثقافة الأندلسية وتزين بخيوط ذهبية مرصعة تعكس الذوق الفني الرفيع الذي ساد تلك المرحلة.

الزفاف التلمساني.. طقوس عريقة توثق تراث الجزائر - شبكة رؤية الإخبارية

ترتدي العروس التلمسانية هذا الزي الكامل ليلة الزفاف باعتباره رمزا للفخامة والانتماء الطبقي ويعبر في الوقت ذاته عن قيم الجمال الاجتماعي المتوارثة ، ويشمل الزي مجموعة كبيرة من الحلي التقليدية المصنوعة يدويا والتي تزدان بأحجار كريمة متنوعة مثل الجوهر واللويز والسلطاني والمساكية ، ويحتل الذهب مكانة بارزة في هذه الحلي التي تُعد مكونا جوهريا في الاحتفال بالزواج التلمساني وتُمنح للعروس كإرث ثقافي.

ساهم تصنيف اليونسكو للزي التلمساني في تعزيز الجهود المحلية والدولية لحمايته من الاندثار ، وشجع المهتمين بالتراث على توثيق مراحل تصنيعه وحياكته وتعريف الأجيال الجديدة به من خلال الورش والمعارض المتخصصة ، كما أدى هذا الاعتراف الدولي إلى تنشيط السياحة الثقافية في مدينة تلمسان وزيادة الاهتمام بها كوجهة سياحية تحتضن مظاهر التراث اللامادي الجزائري ، وتحوّلت حفلات الزفاف التي يُرتدى فيها هذا الزي إلى عروض فنية تشد الزوار وتعرّفهم بمكونات الثقافة المحلية.

تمكنت الجمعيات النسوية المحلية من لعب دور مهم في حفظ هذا اللباس التقليدي من الاندثار ، وحرصت على نقل فنونه إلى الأجيال الجديدة من خلال برامج تدريبية تشجع الفتيات على تعلم تفاصيله الدقيقة ، وتُعد هذه الجهود جزءا من معركة اجتماعية وثقافية أوسع للحفاظ على التراث المحلي في مواجهة الحداثة المتسارعة وضغوط السوق.

2024-تراث: الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير والحناء في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية | الإذاعة الجزائرية

تُشير تجارب النساء في تلمسان إلى أن الحفاظ على “الشدة التلمسانية” لا يقتصر فقط على المناسبات بل يمتد إلى الوعي العام بأهمية الموروثات الشعبية ، كما يفتح المجال أمام الصناعات اليدوية والحرفية لتأخذ موقعا اقتصاديا داخل مجتمع يحاول التوفيق بين الأصالة والتجديد ، مما يجعل من هذا الزي أكثر من مجرد لباس، بل وثيقة ثقافية حية تحكي فصولا من تاريخ تلمسان وتعيد إحياء روحها الحضارية.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار