تُعد الرشدة من أشهر الأكلات الشعبية في ليبيا وتختلف تسميتها باختلاف المناطق، إذ تعرف في شرق البلاد باسم المقطع بينما يطلق عليها سكان الغرب اسم رشدة برمة أو رشدة موس، وهي أكلة تعود أصولها إلى المطبخ الفارسي لكنها أصبحت جزءاً من الهوية الغذائية الليبية، وتُقدَّم عادة في فصل الشتاء لما تحتويه من سعرات حرارية عالية وبقوليات متنوعة تمنح الجسم طاقة كبيرة وتدفئه في الأيام الباردة.
تحضر الأسر الليبية رشدة البرمة في المنازل باعتبارها وجبة رئيسية تعتمد على مكونات بسيطة، تبدأ من دقيق القمح الأبيض الذي يُخلط بالماء تدريجياً لتكوين عجينة متماسكة، ثم تُعجن جيداً لمدة عشر دقائق على الأقل قبل أن تُقسم إلى أجزاء صغيرة وتُفرد على شكل مستطيلات، وبعدها تُقطع إلى شرائح رفيعة وتُضاف إلى الطبيخ أثناء غليانه.
ويتكون هذا الطبيخ من العدس والحمص والفول وأحياناً من الخضروات مثل البطاطا والجزر والكرنب والبازلاء، وقد تُضاف الشحمة لإعطائها نكهة غنية ومذاقاً مميزاً يجعلها أكثر دسامة، وتُقدَّم ساخنة فور نضجها لتكون طبقاً مثالياً في ليالي الشتاء.

يرتبط هذا الطبق بالمناسبات العائلية ويُعتبر رمزاً للتكافل بين أفراد الأسرة، حيث تجتمع النساء لتحضيره بأيديهن وفق تقاليد قديمة متوارثة، فطريقة العجن والفرد والقطع تحتاج إلى مهارة وصبر، كما أن نكهة الرشدة المنزلية تظل مختلفة عن أي وصفة تُقدَّم في المطاعم، لأن الأسر الليبية تحرص على إضافة مكوناتها الخاصة مثل الفلفل الأحمر أو الكمون أو القليل من الزيت البلدي، وهو ما يجعل كل بيت يمتلك نسخته الخاصة من هذا الطبق الشعبي.
أما رشدة الكسكاس فتُحضّر في المناسبات السعيدة والأفراح وتتميز بطريقة طهيها على البخار، حيث تُعجن العجينة من دقيق القمح والماء ثم تُفرد وتُقطع إلى شرائح رفيعة للغاية وتُطهى في الكسكاس مع تقليبها حتى لا تلتصق ببعضها، ثم تُفرغ وتُترك لتبرد قليلاً قبل أن تُعاد مرة أخرى إلى بخار طبيخها الذي يُعد من البصل والحمص ولحم الضأن، وبعد اكتمال النضج تُسكب في صحن كبير وتُضاف إليها التوابل مع مرق الطبيخ لتُقدَّم ساخنة ذات طعم متكامل يجمع بين نكهة اللحم والبقوليات.
تُعد الرشدة اليوم من الأكلات التي توحد الليبيين رغم اختلاف اللهجات والمناطق، فهي تعكس البساطة في المكونات والعمق في المذاق، وتحمل في تفاصيلها تاريخاً طويلاً من التبادل الثقافي بين ليبيا وفارس قديماً، لتصبح طبقاً يعبر عن الأصالة والتقاليد التي لا تزال صامدة في المطبخ الليبي حتى الآن.
المصدر: ويكيبيديا